نزل أسد منصرفَه من سَمَرْقند بلْخ، فسرَّح جُدَيْعًا الكِرمانيَّ إلى القلعة التي فيها ثَقَل الحارث وثقل أصحابه - واسم القلعة التّبوشكان من طخارستان العليا، وفيها بنو بَرْزَى التَّغلبيّون، وهم أصهار الحارث - فحصرهم الكرمانيّ حتى فتحها، فقتل مقاتلَتهم وقتل بني بَززَى، وسبى عامّة أهلها من العرب والموالي والذراريّ، وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ، فقال عليّ بن يَعْلَى - وكان شهد ذلك: نقم على الحارث أربعمئة وخمسون رجلًا من أصحابه؛ وكان رئيسهم جرير بن ميمون القاضي؛ وفيهم بشر بن أنيف الحنظليّ وداود الأعسر الخوارزميّ، فقال الحارث: إن كنتم لابد مفارقيّ وطلبتم الأمان. فاطلبوه وأنا شاهد؛ فإنه أجدر أن يجيبوكم، وإن ارتحلتُ قبل ذلك لم يعطوا الأمان، فقالوا: ارتحل أنت وخلَّنا، ثم بعثوا بشر بن أنيف ورجلًا آخر، فطلبوا الأمان فأمّنهما أسد ووصلهما، فغدروا بأهل القلْعة، وأخبراه أن القوم ليس لهم طعامٌ ولا ماءٌ، فسرَّح أسد الكرمانيّ في ستة آلاف؛ منهم سالم بن منصور البَجَليّ، على ألفين، والأزهر بن جُرموز النميريّ في أصحابه، وجند بلْخ وهم ألفان وخمسمئة من أهل الشأم، وعليهم صالح بن القعقاع الأزديّ؛ فوجّه الكِرمانيّ منصور بن سالم في أصحابه، فقطع نهر ضرغام؛ وبات ليله وأصبح، فأقام حتى متَع النهار؛ ثم سار يومَه قريبًا من سبعة عشر فرسخًا، فأتعب خيله، ثم انتهى إلى كشتم من أرض جبغويه؛ فانتهى إلى حائط فيه زَرع قد قُصّب، فأرسل أهل العسكر دوابّهم فيه، وبينهم وبين القلعة أربعة فراسخ، ثم ارتحل فلما صار إلى الوادي جاءته الطلائع فاخبرته بمجيء القوم ورأسهم المهاجر بن ميمون؛ فلما صاروا إلى الكِرمانيّ كابدهم فانصرفوا، وسار حتى نزل جانبًا من القلعة؛ وكان أول ما نزل في زهاء خمسمئة في مسجد كان الحارث بناه؛ فلما أصبح تتامَّتْ إليه الخيل، وتلاحقت من أصحاب الأزهر وأهل بلْخ.
فلما اجتمعوا خطبهم الكرمانيّ، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا أهلَ بلخ؛ لا أجد لكم مثلًا غيرَ الزّانية، مَنْ أتاها أمكنته من رجلها؛ أتاكم الحارث في ألف رجل من العجم فأمكنتموه من مدينتكم، فقتل أشرافكم، وطرد أميرَكم، ثم سرتم معه من مكانفيه إلى مَرْو فخذلتموه، ثم انصرف إليكم منهزمًا فأمكنتموه من المدينة؛ والذي نفسي بيده لا يبلغني عن رجل منكم كتب كتابًا إليهم في سَهْم