للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَتْخُدانيَّة منك؛ إنك ضبطتَ أهل بيتك وحشمك ومواليك؛ فليس منهم أحد يستطيع أن يتعدّي علي صغير ولا كبير، ولا غنيّ ولا فقير، فهذا تمام الكُتْخدانيّة، ثم بنيتَ الإيوانات في المفاوز؛ فيجيءُ الجائي من المشرق والآخر من المغرب؛ فلا يجدان عيبًا إلا أن يقولا: سبحان الله ما أحسن ما بُني! ومِن يُمن نقيبتك أنك لقيت خاقان وهو في مئة ألف، معه الحارث بن سريج فهزمتَه وفللتَه، وقتلت أصحابَه، وأبحت عسكره. وأما رُحْب صدرِك وبَسْط يدك، فإنّا ما ندري أيّ المالين أقرّ لعينك؟ أمالٌ قدم عليك، أم مال خرج من عندك؟ بل أنتَ بما خرج أقرّ عينًا، فضحك أسد، وقال: أنت خير دهاقين خُراسان وأحسنهم هديّة، وناوله تفاحة كانت في يده؛ وسجد له دِهْقان هَراة، وأطرق أسد ينظر إلي تلك الهدايا؛ فنظر عن يمينه، فقال: يا عُذافر بن يزيد، مُرْ من يحمل هذا القَصْر الذهب، ثم قال: يا معن بن أحمر رأس قيس -أو قال قنّسرين- مرْ بهذا القصر يحملَ، ثم قال: يا فلان خذ إبريقًا، ويا فلان خذ إبريقًا، وأعطي الصِّحاف حتي بقيت صحفتان، فقال: قم يا بن الصيداء، فخذ صُحيفة، قال: فأخذ واحدة فرزنها (١) فوضعها، ثم أخذ الأخري فرزنها، فقال له أسد: مالك؟ قال: آخذ أرزنهما، قال: خذهما جميعًا؛ وأعطي العُرَفاء وأصحاب البلاء؛ فقام أبو اليعفور- وكان يسير أمام صاحب خراسان في المغازي- فنادي: هلمَّ إلي الطريق، فقال أسد: ما أحسن ما ذكرّت بنفسك! خذ ديباجتين، وقام ميمون العذَّاب فقال: إليّ، إلي يساركم، إلي الجادّة؛ فقال: ما أحسن ما ذكَّرت نفسك! خذ ديباجة، قال: فأعطي ما كان في السّماط كلّه، فقال نهر بن تَوْسِعة:

تقِلُّون إِنْ نادي لِرَوعٍ مُثوِّبٌ ... وأَنتم غَداةَ المهرَجانِ كثيرُ

ثم مرض أسد، فأفاق إفاقة فخرج يومًا، فأتِيَ بكمّثري أوّل ما جاء، فأطعمَ الناس منه واحدة واحدة؛ وأخذ كُمّثراة فرمي بها إلي خراسان دهقان هراة، فانقطعت الدُّبَيلة، فهلك، واستخلف جعفرًا البهرانيّ، وهو جعفر بن حنظلة سنة عشرين ومئة فعمل أربعة أشهر، وجاء عهد نصر بن سيّار في رجب سنة إحدي وعشرين ومئة، فقال ابن عِرْس العبديّ:

نَعَي أَسَد بنَ عبد اللهِ نَاعٍ ... فَرِيعَ القلبُ للملِكِ المُطاعِ


(١) رزن الشيء: رفعه لينظر ثقله. القاموس المحيط ص ١٥٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>