الطريق فيما بيننا وبينكم؟ قلت: سهلًا كثير الماء والمرعي؛ فكره ما قلت له، فقال: ما علمك؟ فقلت: قد غزوت غُرْشِسْتان وغُور والختل وطَبَرِستان، فكيف لا أعلم! قال: فكيف رأيتَ ما أعددنا؟ قلت: رأيت عُدّة حسنة؛ ولكن أما علمت أن صاحب الحصار لا يسلم من خصال! قال: وما هُنّ؟ قلت: لا يأمن أقربَ الناس إليه وأحبَّهم إليه وأوثقَهم في نفسه أن يثب به يطلب مرتبته، ويتقرّب بذلك، أو يفني ما قد جمع، فيسلم برُمَّته، أو يصيبه داء فيموت فقطّب وكره ما قلت له وقال: انصرف إلي منزلك، فانصرفت فأقمت يومين، وأنا لا أشكّ في تركه الصلح، فدعاني فحملتُ كتاب الصّلح مع غلامي، وقلت له: إن أتاك رسولي يطلب الكتاب فانصرف إلي المنزل، ولا تظهر الكتاب، وقل لي: إني خلفتُ الكتاب في المنزل، فدخلت عليه، فسألني عن الكتاب، فقلت: خلّفتُه في المنزل، فقال: ابعث مَنْ يجيئك به، فقبل الصُّلح، وأحسن جائزتي، وسرّح معي أمّه، وكان صاحبة أمره.
قال: فقدمتُ على نصْر؛ فلما نظر إليّ قال: ما مثلك إلا كما قال الأوّل:
فأرْسِل حكيمًا ولا تُوصِهِ (١)
فأخبرته، فقال: وُفِّقت، وأذن لأمه عليه، وجعل يكلمها والترجمان يعبّر عنها، فدخل تميم بن نصر، فقال للترجمان: قل لها: تعرفين هذا؟ فقالت: لا، فقال: هذا تميم بن نصر، فقالت: والله ما أري له حلاوة الصّغِير، ولا نُبْل الكبير.
قال أبو إسحاق بن ربيعة: قالت لنصر: كل مَلِك لا يكون عنده ستة أشياء فليس بملِك: وزير يباثُّه بكتاب نفسه وما شجر في صدره من الكلام، ويشاوره ويثق بنصيحته، وطباخ إذا لم يشتهِ الطعام اتخذ له ما يشتهي، وزوجة إذا دخل عليها مغتمًّا فَنظر إلي وجهها زال غمّه، وحصن إذا فزع أو جُهد فزع إليه فأنجاه -تعني البرذون- وسيف إذا قارع الأقران لم يخش خيانتَه، وذخيرة إذا حملها فأين وقع بها من الأرض عاش بها.
(١) الأغاني ٦: ٨٢، وصدره *إذا كنت في حاجة مرسلًا*.