ما بدا لك! فأمر الوليد غيلان صاحب حرسه بالبَسْط عليه، وقال له: أسمعني صوته. فذهب به غَيْلان إلى رَحْله، فعذْبه بالسلاسل، فلم يتكلم فرجع غَيْلان إلى الوليد، فقال: والله ما أعذّب إنسانًا؛ والله ما يتكلم ولا يتأوَّه، فقال: اكفُف عنه واحبسه عندك، فحبسه حتى قدم يوسف بن عمر بمالٍ من العراق، ثم أداروا الأمر بينهم وجلس الوليد للناس ويوسف عنده؛ فتكلّم أبان بن عبد الرحمن النميريّ في خالد، فقال يوسف: أنا أشتريه بخمسين ألف ألف، فأرسل الوليد إلى خالد إنّ يوسف يشتريك بخمسين ألف ألف؛ فإن كنت تضمنها وإلّا دفعتُك إليه، فقال خالد: ما عهدت العرب تُباع؛ والله لو سألتني أن أضمن هذا - ورفع عودًا من الأرض - ما ضمنتُه، فرَ رأيك.
فدفعه إلى يوسف، فنزع ثيابه ودرّعه عباءة ولحفه بأخري، وحمله في محمل بغير وطاء، وزميله أبو قحافة المُريّ ابن أخي الوليد بن تَلِيد - وكان عامل هشام على الموصل، فانطلق به حتى نزل المحْدَثة، على مَرْحلة من عسكر الوليد، ثم دعا به فذكر أمَّه، فقال: وما ذكر الأمهات لعنك الله! والله لا أكلمك كلمة أبدًا. فبسط عليه، وعذّبه عذابًا شديدًا [وهو] لا يكلّمه كلمة، ثم ارتحل به حتى إذا كان ببعض الطريق بعث إليه زيد بن تميم القينيّ بشربة سويق حبّ رمّان مع مولى له يقال له سالم النفّاط، فبلغ يوسف فضرب زيدًا خمسمئة سوط، وضرب سالمًا ألف سوط، ثم قدم يوسف الحيرة فدعا به وبإبراهيم ومحمد ابني هشام فبسط على خالد، فلم يكلّمه، وصبر إبراهيم بن هشام وخَرعَ محمد بن هشام، فمكث خالد يومًا في العذاب، ثم وضَع على صدره المضرّسة فقتله من الليل، ودفن بناحية الحيرة في عباءته التي كان فيها، وذلك في المحرّم سنة ست وعشرين ومئة في قول الهيثم بن عديّ، فأقبل عامر بن سهلة الأشعريّ فعقر فرسه على قبره، فضربه يوسف سبعمئة سوط.
قال أبو زيد: حدّثني أبو نُعيم قال: حدّثني رجل، قال: شهدتُ خالدًا حين أتِيَ به يوسف، فدعا بعود فوضع على قدميه، ثم قامت عليه الرّجال حتى كسِرت قدماه؛ فوالله ما تكلّم ولا عَبس، ثم على ساقيه حتى كُسِرَتا، ثم على فخذيه ثم على حَقْويه ثم على صدره حتى مات، فوالله ما تكلم ولا عَبس، فقال خلف بن خليفة لما قتِل الوليد بن يزيد: