للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفعل، وسألاه أمانًا للحارث بن سريج، فكتب له:

أما بعد، فإنا غضبنا لله، إذْ عُطلت حدوده، وبُلغ بعباده كلّ مبلغ وسفكت الدماء بغير حلِّها، وأخذت الأموال بغير حقها، فأردنا أن نعمل في هذه الأمة بكتاب الله جلّ وعزّ وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، ولا قوّة إلا بالله؛ فقد أوضحنا لك عن ذات أنفسنا، فاقبلِ آمنًا أنت ومن معك؛ فإنكم إخواننا وأعواننا وقد كتبتُ إلى عبد الله بن عمر بن عبد العزيز بردّ ما كان اصطفى من أموالكم وذراريّكم.

فقدما الكوفة فدخلا على ابن عمر، فقال خالد بن زياد: أصلح الله الأمير! ألا تأمر عمالك بسيرة أبيك؟ قال: أوليس سيرة عمر ظاهرة معروفة! قال: فما ينفع النَّاس منها ولا يُعمل بها! ثم قدما مَرْو فدفعا كتاب يزيد إلى نصر، فردّ ما كان أخذ لهم مما قدر عليه، ثم نفذا إلى الحارث، فلقيا مقاتل بن حيّان وأصحابه الذين وجّههم نصر إلى الحارث، وكان ابن عمر كتب إلى نصر: إنك آمنت الحارث بغير إذني ولا إذن الخليفة، فأسْقِط في يديه فبعث يزيد بن الأحمر وأمره أن يفتك بالحارث إذا صار معه في السفينة، فلما لقيا مقاتلًا بآمُل قطع إليه مقاتل بنفسه، فكفّ عنه يزيد، قال: فأقبل الحارث يريد مَرْو - وكان مقامه بأرض الشرّك اثنتي عشرة سنة - وقدم معه القاسم الشيبانيّ ومضرّس بن عمران قاضيه وعبد الله بن سنان، فقدم سمرقند وعليها منصور بن عمر فلم يتلفَّه. وقال: أحسنْ بلاءه! وكتب إلى نصر يستأذنه في الحارث أن يثبَ به، فأيّهما قتل صاحبه فإلى الجنة أو إلى النار، وكتب إليه: لئن قدم الحارث على الأمير وقد ضرّ ببني أمية في سلطانهم، وهو والغ في دم بعد دم، قد طوى كشحًا عن الدنيا بعد أن كان في سلطانهم أقراهم لضيف، وأشدهم بأسًا، وأنفذهم غارة في الترك؛ ليفرّقن عليك بني تميم، وكان سَرْدر خُداه محبوسًا عند منصور بن عمر؛ لأنه قتل بياسان، فاستعدى ابنُه جنده (١) منصورًا، فحبسه، فكلم الحارث منصورًا فيه، فخلّى سبيله، فلزم الحارث ووفّى له.

* * *


(١) هو جنده بن بياسان.

<<  <  ج: ص:  >  >>