يعمل به في عدوّه، وكان سبب حبس هشام ثابتًا ما قد ذكرنا قبل من أمره مع حَنْظلة بن صفوان وإفساده عليه الجند الذين كان هشام وجههم معه لحرب البربر وأهل إفريقيَة؛ إذ قتلوا عامل هشام عليهم، كلثوم بن عياض القسريّ، فشكا ذلك من أمره حنظلة إلى هشام في كتاب كتبه إليه، فأمر هشام حنظلة بتوجيهه إليه في الحديد، فوجّهه حنظلة إليه، فحبسه هشام، فلم يزل في حبسه حتى قدم مروان بن محمد على هشام في بعض وفاداته - وقد ذكرنا بعض أمر كلثوم بن عياض وأمر إفريقية معه في موضعه فيما مضى من كتابنا هذا - فلما قدم مروان على هشام أتاه رؤوس أهل اليمانية؛ ممن كان مع هشام، فطلبوا إليه فيه؛ وكان ممن كلّمه فيه كعب بن حامد العبسيّ صاحب شرط هشام وعبد الرحمن بن الضخم وسليمان بن حبيب قاضيه، فاستوهبه مَرْوان منه فوهبه له، فشخص إلى أرمينيةَ، فولّاه وحبَاه، فلما وجّه مروان ثابتًا مع إسحاق إلى أهل الباب، كتب إليهم معهما كتابًا يعلمهم فيه حال ثغرهم وما لهم من الأجر في لزوم أمرهم ومراكزهم، وما في ثبوتهم فيه من دفْع مكروه العدوّ عن ذراريّ المسلمين.
قال: وحمل إليهم معهما أعطياتِهم، وولَّى عليهم رجلًا من أهل فلسطين يقال له حميد بن عبد الله اللخميّ - وكان رضيًّا فيهم وكان وليهم قبل ذلك - فحمدوا ولايتَه، فقاما فيهم بأمره، وأبلغاهم رسالته، وقرأا عليهم كتابه، فأجابوا إلى الثبوت في ثغرهم ولزوم مراكزهم، ثم بلغه أنّ ثابتًا قد كان يدسّ إلى قوّادهم بالانصراف من ثَغْرهم واللحاق بأجنادهم، فلما انصرفا إليه تهيّأ للمسير وعرض جنده، ودسّ ثابت بن نعيم إلى من معه من أهل الشام بالانخزال عن مَرْوان والانضمام إليه ليسير بهم إلى أجنادهم، ويتولَّى أمرهم؛ فانخزلوا عن عسكرهم مع من فرّ ليلًا وعسكروا على حِدة، وبلغ مروان أمرُهم فبات ليلَته ومن معه في السلاح يتحارسون حتى أصبح؛ ثم خرج إليهم بمن معه ومن مع ثابت يضعفون على من مع مَروان، فصافُّوهم ليقاتلوهم، فأمر مروان منادين فنادوْا بين الصّفين من الميمنة والميسرة والقلب، فنادوهم: يا أهل الشام؛ ما دعاكم إلى الانعزال! وما الذي نقمتم عليّ فيه من سِيَري! ألم ألِكم بما تحبّون، وأحسن السيرة فيكم والولاية عليكم! ما الذي دعاكم إلى سفك دمائكم! فأجابوه بأنا كنا نطيعك بطاعة خليفتنا وقد قتِل خليفتنا وبايع أهل الشأم يزيد بن الوليد، فرضينا