للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: ليس منا أحد أخصَّ بأبي مسلم منك، فاخرج إليه حتى تعلم ما رأيه، فليس يخفى عليك، فلو قد لقيتَه، فإن كان عن رأيه أخذنا لأنفسنا، وإن لم يكن عن رأيه طابت أنفسُنا.

فخرجت على وجل؛ فلما انتهيت إلى الريّ، إذا صاحب الريّ قد أتاه كتاب أبي مسلم: إنه بلغني أن عبد الله بن محمد توجّه إليك، فإذا قدم فأشخصه ساعةَ قدومه عليك، فلما قدمت أتاني عامل الريّ فأخبرني بكتاب أبي مسلم، وأمرني بالرّحيل، فازددت وجَلًا، وخرجت من الرّيّ وأنا حَذر خائف فسرت؛ فلما كنت بنيسابور إذا عاملُها قد أتاني بكتاب أبي مسلم: إذا قدم عليك عبد الله بن محمد فأشخصه ولا تَدَعه يقيم، فإن أرضك أرض خوراج ولا آمن عليه، فطابت نفسي وقلت: أراه يُعْنَى بأمري. فسرتُ، فلما كنت من مَرْوَ على فرسخين، تلقّاني أبو مسلم في الناس، فلما دنا منّي أقبل يمشي إليّ؛ حتى قبّل يدي، فقلت: اركب، فركب فدخل مَرْو، فنزلت دارا فمكثت ثلاثة أيام لا يسألني عن شيء، ثم قال لي في اليوم الرابع: ما أقدمك؟ فأخبرته، قال: فعلها أبو سلمة! أكفيكموه! فدعا مرّار بن أنس الضبيّ، فقال: انطلق إلى الكوفة، فاقتل أبا سلمة حيث لقيته؛ وانته في ذلك إلى رأي الإمام، فقدم مرار الكوفة، فكان أبو سَلمة يسمرُ عند أبي العبّاس، فقعد في طريقه، فلما خرج قتله فقالوا: قتله الخوارج.

قال عليّ: فحدثني شيخ من بني سليم، عن سالم، قال: صحبتُ أبا جعفر من الرّيّ إلى خُراسان، وكنت حاجبَه، فكان أبو مسلم يأتيه فينزل على باب الدّار، ويجلس في الدهليز، ويقول: استأذِنْ لي، فغضب أبو جعفر عليّ، وقال: ويلك! إذا رأيته فافتح له الباب، وقل له يدخل على دابته، ففعلت وقلت لأبي مسلم: إنه قال كذا وكذا، قال: نعم، أعلم، واستأذن لي عليه.

وقد قيل: إنّ أبا العباس قد كان تنكّر لأبي سَلمة قبل ارتحاله من عسكره بالنُّخيلة، ثم تحوّل عنه إلى المدينة الهاشميّة، فنزل قصر الإمارة بها، وهو متنكر له، قد عرف ذلك منه، وكتب إلى أبي مسلم يعلمه رأيه، وما كان همّ به من الغِشّ، وما يتخوّف منه، فكتب أبو مسلم إلى أمير المؤمنين:

إن كان اطلع على ذلك منه فليقتله؛ فقال داود بن عليّ لأبي العباس: لا تفعل يا أمير المؤمنين، فيحتج عليك بها أبو مسلم وأهل خراسان الذين معك، وحاله

<<  <  ج: ص:  >  >>