ابن الربيع فلم ينكرْه ولم يغَيره، ثم جاء رجل من الجند فاشترى من جزّار لحمًا يومَ الجمعة، فأبى أن يعطيَه ثمنه، وشهر عليه السيف؛ فخرج عليه الجزّار من تحت الوَضَم بشَفْرة، فطعن بها خاصرتَه، فخرّ عن دابته، واعتوره الجزّارون فقتلوه، وتنادى السودان عن الجند وهم يروحون إلى الجمعة فقتلوهم بالعُمُد في كلّ ناحية، فلم يزالوا على ذلك حتى أمسوْا؛ فلما كان الغد هربَ بن الربيع.
قال: وحدّثني محمد بن يحيى، قال: حدّثني الحارث بن إسحاق، قال: نفخ السودان في بُوق لهم؛ فذكر لي بعضُ مَنْ كان في العالية وبعض مَنْ كان في السافلة، أنه كان يرى الأسود من سكّانهما في بعض عمله يسمع نفْخَ البوق، فيصغِي له حتى يتيقنه ثم يوحّش بما في يده، ويأتمّ الصوتَ حتى يأتيه، قال: وذلك يوم الجمعة لسبع بقين من ذي الحجة من سنة خمس وأربعين ومئة، ورؤساء السودان ثلاثة نفر: وثيق ويعقل ورمقة، قال: فغدوْا على ابن الربيع، والناس في الجمعة فأعجلوهم عن الصّلاة، وخرج إليهم فاستطردُوا له؛ حتى أتى السوق فمرَّ بمساكين خمسة يسألون في طريق المسجد، فحمل عليهم بمَنْ معه حتى قتلوهم، ثم مر بأصَيْبِيَة على طَنَف دار، فظنّ أن القوم منهم؛ فاستنزلهم واختدعهم وآمنهم، فلما نزلوا ضرب أعناقهم، ثم مضى ووقف عند الحنّاطين، وحمل عليه السودانُ، فأجلى هاربًا فاتّبعوه حتى صار إلى البَقِيع، ورهقوه فنثر لهم دراهم؛ فشغلهم بها، ومضى على وجهه حتى نزل ببطن نَخْل، عن ليلتين من المدينة.
قال: وحدّثني عيسى قال: خرج السّودان على ابن الربيع، ورؤساؤهم: وثيق وحَدْيا وعُنقود وأبو قيس؛ فقاتلهم فهزموه، فخرج حتى أتى بطْن نَخْل فأقام بها.
وحدّثني عمر بن راشد، قال: لما هربَ ابن الربيع وقع السودان في طعام لأبي جعفر من سَوِيق ودقيق وزيْت وقَسْب، فانتهبوه، فكان حِمْل الدّقيق بدرهمين، وراوية زيت بأربعة دراهم.
وحدّثني محمد بن يحيى، قال: حدّثني الحارث بن إسحاق، قال: أغاروا على دار مَرْوان ودار يزيد؛ وفيهما طعام كان حُمل للجنْد في البحر، فلم يدَعوا فيهما شيئًا، قال: وشخص سليمان بن فُلَيح بن سليمان في ذلك اليوم إلى أبي جعفر، فقدم عليه فأخبره الخبر.