للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قتالًا شديدًا، وانهزم حُميد بن قحطبة - وكان على مقدّمة عيسى بن موسى - وانهزم الناس معه، فعرض لهم عيسى بن موسى يناشدهم الله والطاعة فلا يلوُون عليه، ومرّوا منهزمين، وأقبل حُميد بن قحطبة منهزمًا، فقال له عيسى بن موسى: يا حُميد، الله الله والطاعة! فقال: لا طاعةَ في الهزيمة، ومرَّ الناس كلهم حتى لم يبقَ منهم أحد بين يديْ عيسى بن موسى، وعسكر إبراهيم بن عبد الله، فثبت عيسى بن موسى في مكانه الذي كان فيه لا يزول، وهو في مئة رجل من خاصّته وحَشمه، فقيل له: أصلح الله الأمير! لو تنحّيت عن هذا المكان حتى يثوب إليك الناس فتكرّ بهم! فقال: لا أزول عن مكاني هذا أبدًا حتى أقتَل أو يفتح الله على يدي؛ ولا يقال: انهزم.

وذكر عبد الرحيم بن جعفر بن سليمان بن عليّ أنّ إسحاق بن عيسى بن عليّ حدّثه أنه سمع عيسى بن موسى يحدّث أباه أنه قال: لما أراد أمير المؤمنين توجيهي إلى إبراهيم، قال: إنّ هؤلاء الخبثاء - يعني المنجّمين - يزعمون أنك لاقٍ الرجلَ، وأن لك جولةً حين تلقاه، ثم يفئ إليك أصحابك، وتكون العاقبة لك، قال: فوالله لكان كما قال؛ ما هو إلّا أن التقيْنا فهزمونا، فلقد رأيتُني وما معي إلا ثلاثة أو أربعة؛ فأقبل عليّ مولىً لي - كان ممسكًا بلجام دابتي - فقال: جُعلت فداك! علامَ تقيم وقد ذهب أصحابك! فقلت: لا والله لا ينظر أهل بيتي إلى وجهي أبدًا وقد انهزمتُ عن عدوّهم.

قال: فوالله لكان أكثر ما عندي أن جعلت أقول لمن مرّ بي ممن أعرف من المنهزمين: أقرِئوا أهل بيتي مني السلام، وقولوا لهم: إني لم أجد فداءً أفديكم به أعزّ عليّ من نفسي، وقد بذلتُها دونكم، قال: فوالله إنا لعلَى ذلك والناس منهزمون ما يلوي أحدٌ على أحد، وصمد ابنا سليمان: جعفر ومحمد لإبراهيم، فخرجا عليه من ورائه، ولا يشعر مَنْ بأعقابنا من أصحاب إبراهيم؛ حتى نظر بعضهم إلى بعض؛ وإذا القتال من ورائهم، فكرُّوا نحوه، وعقّبنا في آثارهم راجعين؛ فكانت إياه، قال: فسمعت عيسى بن موسى يومئذ يقول لأبي: فوالله يا أبا العباس؛ لولا ابنَا سليمان يومئذ لافتضحنا؛ وكان مِنْ صنع الله أنّ أصحابنا لما انهزموا يومئذ اعترضَ لهم نهر ذو ثنيّتين مرتفعتين، فحالتا بينهم وبين الوثوب؛ ولم يجدوا مخاضة؛ فكرّوا راجعين بأجمعهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>