للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا رأسه، فنزل عيسى إلى الأرض فسجد، وبعث برأسه إلى أبي جعفر المنصور، وكان قتْلُه يوم الإثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومئة، وكان يوم قُتل ابن ثمان وأربعين سنة، ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام.

وذكر عبد الحميد أنه سأل أبا صلابة: كيف قُتِلَ إبراهيم؟ قال: إني لأنظر إليه واقفًا على دابّةٍ ينظر إلى أصحاب عيسى قد وَلَّوْا ومنحوه أكتافهم، ونكَص عيسى بدابته القَهْقَرَى وأصحابه يقتلونهم، وعليه قباء زَرَد، فآذاه الحرّ، فحل أزرار قَبائه، فشال الزّرد حتى سال عن ثدييه، وحسر عن لّبته، فأتته نُشّابة عائرة (١)، فأصابته في لبّتِه، فرأيته اعتنق فرسه، وكرّ راجعًا، وأطافت به الزيديّة.

وذكر إبراهيم بن محمد بن أبي الكرام؛ قال: حدّثني أبي، قال: لما انهزم أصحاب عيسى تبعتْهم رايات إبراهيم في آثارهم، فنادى منادى إبراهيم: ألا لا تَتّبعوا مدبرًا؛ فكرّت الرايات راجعةً، ورآها أصحاب عيسى فخالُوهم انهزموا، فكرُّوا في آثارهم؛ فكانت الهزيمة.

وذكر أن أبا جعفر لما بلغته جولةُ أصحاب عيسى عزَم على الرحيل إلى الرّيّ، فذكر سلم بن فرقد حاجب سليمان بن مجالد، أنه قال: لما التقوْا هُزم أصحاب عيسى هزيمة قبيحةً حتى دخل أوائلهم الكُوفة، فأتاني صديق لي كوفيّ، فقال: أيّها الرجل، تعلمْ والله لقد دخل أصحابك الكوفة؛ فهذا أخو أبي هريرة في دار فلان؛ وهذا فلان في دار فلان؛ فانظر لنفسك وأهلك ومالك؛ قال: فأخبرت بذلك سليمانَ بن مجالد، فأخبر به أبا جعفر، فقال: لا تكشفنّ من هذا شيئًا ولا تلتفتنّ إليه؛ فإنّي لا آمن أن يهجم عليّ ما أكره، وأعْدِدْ على كلّ باب من أبواب المدينة إبلا ودوابّ؛ فإن أتِينا من ناحية صرنا إلى الناحية الأخرى، فقيل لسلم: إلى أين أراد أبو جعفر يذهب إن دهمه أمر؟

قال: كان عزم على إتيان الرّي، فبلغني أن نيبخت المنجّم دخل على أبي جعفر، فقال: يا أميرَ المؤمنين، الظَّفَرُ لك، وسيُقتل إبراهيم، فلم يقبل


(١) النشابة: واحدة النشاب وهو النبل، اللسان (١/ ٧٥٧). والعائر: ما لا يدرى راميه. القاموس ص ٥٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>