للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرج النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أبو بكر، كان لأبي بكر مَنيِحةٌ من غَنمٍ تروحُ على أهله، فأرسل أبو بكر عامرًا في الغنم إلى ثور، فكان عامر بن فهَيرة يروح بتلك الغَنَم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالغار في ثَوْر، وهو الغار الذي سمّاه الله في القرآن، فأرسل بظهرهما رجلًا من بني عبد بن عديّ، حليفًا لقريش من بني سَهْم، ثم آل العاص بن وائل؛ وذلك العَدَويّ يومئذ مشركٌ، ولكنّهما استأجراه، وهو هاد بالطّريق.

وفي الليالي التي مكثا بالغار كان يأتيهما عبدُ الله بن أبي بكر حين يُمسي بكلّ خبر بمكّة، ثم يصبح بمكّة ويريح عامر الغنم كلّ ليلة، فيحلُبان، ثم يسرح بُكرَةً فيصبح في رُعْيانِ النّاس، ولا يُفْطنُ له؛ حتى إذا هدأت عنهما الأصوات، وأتاهما أنْ قد سُكت عنهما، جاءهما صاحبهما ببعيريهما، فانطلقا وانطُلق معهما بعامر بن فُهَيرةَ يخدمُهما ويعينهما، يُردفه أبو بكر ويُعقبه على رَحْله، ليس معهما أحدٌ إلّا عامر بن فُهَيرة وأخو بني عديّ يهديهما الطّريق، فأجاز بهما في أسفلَ مكة، ثم مضى بهما حتى حاذَى بهما الساحل، أسفلَ من عُسْفان، ثم استجاز بهما حتى عارض الطّريق بعدما جاوز قُدَيدًا، ثم سلك الخَرَّار، ثم أجاز على ثنيَّة المَرَة، ثِم أخذ على طريق يقال لها المدْلجة بين طريق عَمْق وطريق الرَّوْحاء، حتى توافوْا طريق العَرْج، وسلك ماء يقال له الغابر عن يمين ركُوبة؛ حتى يَطْلع على بطن رئم، ثم جاء حتى قدِم المدينة علي بني عمرو بن عوف قبل القائلة (١). (٢: ٣٧٥/ ٣٧٦ / ٣٧٧).


(١) إسناده صحيح وإن كان عروة قد ذكر كلامًا قبل أن يقول: فأخبرتني عائشة، وهو صحيح كما عند البخاري، إلّا أن البخاري لم يذكر في نهاية الحديث التفاصيل الدقيقة عن مراحل الطريق وأسماء الأماكن التي مرّوا بها إلّا أنه اختصر في وصف طريق هجرتهما قائلًا: وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدّليل، فأخذ بهم طريق السواحل.
فقد أخرج البخاري في صحيحه -كتاب مناقب الأنصار / ح ٣٩٠٥ / أن عائشة رضي الله عنها قالت: لم أعقل أبويّ قطّ إلّا وهما يدينان الدّين، ولم يمرّ علينا يوم إلّا يأتينا فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طرفي النهار: بكرة وعشية. الحديث وفيه [والنبي - صلى الله عليه وسلم - يومئذ بمكة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسلمين: إني رأيت دار هجرتكم ذات نخل بين لابتين، وهما الحرتان. فهاجر من هاجر قبل المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهّز أبو بكر قبل المدينة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي. فقال أبو بكر: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم، فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصحبه، وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السَّمُر -وهو الخبط- أربعة أشهر]. =

<<  <  ج: ص:  >  >>