قال هشام: قال أبو مخنف، عن عطيَّة بن الحارث، عن عبد الله بن غَزِيّة، قال: أقبل أهل الشام في عساكرهم حتى كانوا من عَيْن الوَرْدة على مسيرة يوم وليلة، قال عبد الله بن غزيّة: فقام فينا سليمان فحَمِد الله فأطال، وأثنى عليه فأطنَب، ثم ذكر السماء والأرضَ، والجبالَ والبحارَ وما فيهنَّ من الآيات، وذكر آلاءَ الله ونعمَه، وذكر الدنيا فزهَّد فيها، وذكر الآخرة فرغَّب فيها، فذكر من هذا ما لم أحصه، ولم أقدر على حفظه، ثم قال: أما بعد، فقد أتاكم الله بعدوكم الذي دأبتم في المسير إليه آناء الليل والنهار، تريدون فيما تظهرون التوبة النَّصُوح، ولقاءَ الله مُعذِرين فقد جاؤوكم بل جئتموهم أنتم في دارهم وحيِّزِهم، فإذا لقيتموهم فاصدُقوهم، واصبروا إن الله مع الصابرين، ولا يولِّينّهم امرؤٌ دُبره إلّا متحرّفًا لقتال أو متحيّزًا إلى فئة، لا تقتلوا مدبرًا، ولا تُجهزوا على جريح، ولا تقتلوا أسيرًا من أهل دعوتكم، إلا أن يقاتلكم بعد أن تأسروه، أو يكون من قتَلةِ إخواننا بالطفّ رحمة الله عليهم؛ فإنّ هذه كانت سيرة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب في أهل هذه الدعوة، ثم قال سليمان: إن أنا قُتلتُ فأميرُ الناس المسيَّب بن نَجَبة فإن أصيبَ المسيَّب فأميرُ الناس عبدُ الله بن سعد بن نفيل، فإن قُتل عبد الله بن سعد، فأميرُ الناس عبدُ الله بن والٍ، فإن قُتل عبد الله بن وال فأميرُ الناس رفاعة بن شدّاد، رحم الله امرأً صَدقَ ما عَاهَد الله عليه! ثمّ بعث المسيّب بن نَجَبة في أربعمئة فارس، ثم قال: سرْ حتى تلقى أوّل عسكر من عساكرهم فشُنّ فيهم الغارة، فإذا رأيت ما تحبُّه وإلا انصرفتَ إليّ في أصحابك؛ وإيّاك أن تنزل أو تَدَع أحدًا من أصحابك أن ينزِل، أو يستقبل آخر ذلك، حتى لا تجدَ منه بدًّا (١). (٥/ ٥٩٦).
قال أبو مخنف: فحدّثني أبي عن حُمَيْد بن مسلم أنه قال: أشهد أني في خيل المسيِّب بن نَجبَة تلك، إذا أقبلنا نسير آخرَ يومنا كلّه وليلتنا، حتى إذا كان في آخر السَّحر نزلْنا فعلَّقنا على دوابنا مَخالِيَها، ثمّ هومْنا تهويمةً بمقدار تكون مقدار قضْمِها ثم ركبناها، حتى إذا انبلج لنا الصبح نزلْنا فصلّينا، ثمّ رَكب فركبنا، فبعث أبا الجُوَيْرية العبديّ بن الأحمر في مئة من أصحابه، وعبد الله بن عوف بن