وشعبة بن ظَهير، قال: فحَمَلوا على القوم حملَةً منكَرة، فأفرجُوا لهم، فمَضوا؛ فأمَّا زهير فرجع إلى أصحابه حتَّى دخل القصر فقال لأصحابه: قد رأيتم فأطيعوني، ومضى رَقبة وغلامه وشعبة، قالوا: إنّ فينا من يَضعُف عن هذا ويطمع في الحياة، قال: أبعدكم الله! أتَخلَّوْن عن أصحابكم! والله لا أكون أجزَعكم عند الموت، قال: ففتحوا القصر ونزلوا، فأرسل فقيَّدهم، ثمّ حملوا إليه رجلا رجلًا، فأراد أن يمنّ عليهم، فأبى ابنُه موسى، وقال: والله لئن عفوت عنهم لأتَّكئنّ على سيفي حتَّى يخرج من ظهري؛ فقال له عبد الله: أما والله إني لأعلم أنّ الغيّ فيما تأمرني به، ثمّ قتلهم جميعًا إلّا ثلاثة؛ قال: أحدهم الحجَّاج بن ناشب العدويّ - وكان رمى ابن خازم وهو محاصرهم فكسر ضرسَه، فحلف لئن ظفر به ليقتلنَّه أو ليقطعنّ يده، وكان حَدَثًا، فكلَّمه فيه رجال من بني تميم كانوا معتزلين؛ من عَمرو بن حنظلة، فقال رجل منهم: ابن عمّي وهو غلام حدث جاهل؛ هَبْه لي، قال: فوهبه له، وقال: النَّجاء! لا أرينَّك.
قال: وجيهان بن مشجعة الضَّبّي الَّذي ألقى نفسَه على ابنه محمَّد يوم قُتِل، فقال ابن خازم: خلّوا عن هذا البَغْل الدارج، ورجل من بني سعد، وهو الَّذِي قال يومَ لَحِقوا ابنَ خازم: انصرفوا عن فارسِ مضر. قال: وجاؤوا بزهير بن ذؤيب فأرادوا حمله وهو مقيّد، فأبَى وأقبلَ يَحجُل حتَّى جلس بين يديه، فقام له ابن خازم: كيف شُكرك إنْ أطلقتُك وجعلتُ لكَ باسار طعمة؟ قال: لو لم تصنْع بي إلّا حقنَ دمي لشكرتُك، فقام ابنه موسى فقال: تقتل الضبع وتترك الذّيخ! تقتل اللبؤَة وتترك اللَّيث! قال: وَيْحك! نقتل مِثلَ زهير! مَن لقتال عدوّ المسلمين! مَن لنساء العرب! قال: والله لو شركتَ في دم أخي أنت لقتلتك، فقام رجل من بني سُلَيم إلى ابن خازم، فقال: أذكِّرك اللهَ في زهير! فقال له موسى: اتَّخذه فَحْلًا لبناتك، فغضب ابن خازم، فأمر بقتله، فقال له زهير: إنّ لي حاجة. قال: وما هي؟ قال: تقتلني على حِدَة، ولا تخلط دمي بدماء هؤلاء اللئام، فقد نهيتُهم عمَّا صنعوا وأمرتهم أن يموتوا كرامًا، وأن يخرجوا عليكم مصلتين، وايم الله أن لو فعلوا لذَعَروا بُنيَّك هذا، وشغلوه بنفسه عن طلب الثأر بأخيه فأبوْا، ولو فعلوا ما قتِل منهم رجل حتَّى يقتل رجالًا.