فاشتمل عليها، فأعظم ذلك أهلُ الشام، فأمسَكوا بأيديهم، فرفع الحجَّاج بِرْكة قَبائه فغرَزَها في مِنطَقته، ورفع حجر المَنجنيق فوضعه فيه، ثم قال: ارمُوا، ورمى معهم، قال: ثمّ أصبحوا، فجاءت صاعقة تتبعها أخرى، فقتلتْ من أصحابه اثنى عشرَ رجلًا، فانكسر أهلُ الشام، فقال الحجَّاج: يا أهل الشام، لا تُنكروا هذا فإني ابن تهامة، هذه صواعقُ تِهامة، هذا الفتح قد حضر فأبشِروا، إنّ القوم يُصيبُهم مثل ما أصابكم، فصعقت من الغد، فأصيب من أصحاب ابن الزبير عِدّة؛ فقال الحجَّاج: ألا تَرَوْن أنَّهم يصابون وأنتم على الطَّاعة، وهم على خلاف الطاعة! فلم تزل الحربُ بينَ ابن الزبير والحجَّاج حتَّى كان قُبيلَ مَقتله وقد تفرّق عنه أصحابه، وخرج عامَّة أهلِ مكة إلى الحجَّاج في الأمان. (٦/ ١٨٧ - ١٨٨).
حدّثني الحارث، قال: حدّثنا ابنُ سعد، قال: أخبرنا محمَّد بنُ عمر، قال: حدّثني إسحاق بن عبد الله، عن المنذر بن جَهْم الأسَديّ، قال: رأيتُ ابنَ الزبير يوم قُتِل وقد تفرّق عنه أصحابُه وخذله من معه خذلانًا شديدًا، وجعلوا يخرجون إلى الحجَّاج حتَّى خرج إليه نحوٌ من عشرةِ آلاف.
وذكِر أنَّه كان ممَّن فارقه وخرج إلى الحجَّاج ابناه حَمزة وخُبَيب، فأخذا منه لأنفسهما أمانًا، فدخل على أمّه أسماء - كما ذكر محمَّد بنُ عمرَ عن أبي الزّناد، عن مَخرَمة بن سليمان الوالبيّ، قال: دخل ابنُ الزبير على أمّه حين رأى من الناس ما رأى من خِذْلانهم، فقال: يا أُمَّة! خذَلني الناسُ حتَّى ولدي وأهلي، فلم يَبق معي إلا اليسير ممَّن ليس عنده من الدّفع أكثر من صبر ساعة، والقوم يعطونني ما أردت من الدنيا، فما رأيُك؟ فقالت: أنت والله يا بُنيَّ أعلم بنفسك، إن كنتَ تعلم أنَّك على حقّ وإليه تدعو فامضِ له، فقد قُتل عليه أصحابك، ولا تُمكّن من رقبتك يتلعَّب بها غِلمانُ أميَّة، وإن كنتَ إنَّما أردتَ الدّنيا فبئس العبدُ أنتَ! أهلكتَ نفسَك. وأهلكت من قُتِل معك، وإن قلتَ: كنتُ على حق فلمَّا وَهَن أصحابي ضعُفتُ، فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدّين، وكم خلودُكَ في الدنيا! القتلُ أحسن. فدنا ابن الزبير فقبَّل رأسها وقال: هذا واللهِ رأي، والذي قمتُ به داعيًا إلى يومي هذا ما ركَنْت إلى الدنيا، ولا أحببتُ الحياةَ فيها، وما دعاني إلى الخروج إلّا الغضب لله أن تُستحَلّ حُرَمه، ولكنّي