للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يأتيه رأيه فكلم ابن أبي العوجاء. أبا الجبَّار - وكان منقطعًا إلى أبي جعفر ومحمد ثم إلى أبنائهما بعدهما - فقال له: إنْ أخرني الأمير ثلاثة أيَّام فله مائة ألف، ولك أنت كذا وكذا، فأعلم أبو الجبار محمدًا، فقال: أذكرتنيه والله وقد كنت نسيته؛ فإذا انصرفت من الجمعة فأذكِرْنيه. فلما انصرف أذكره، فدعا به وأمر بضرب عنُقه، فلما أيقن أنَّه مقتول، قال: أما والله لئن قتلتموني لقد وضعتُ أربعة آلاف حديث أحرِّم فيها الحلال، وأحِلّ فيها الحرام؛ والله لقد فطّرتكم في يوم صومكم، وصوّمتكم في يوم فطركم، فضُربت عنقه.

وورد على محمَّد رسول أبي جعفر بكتابه: إياك أن تحدث في أمر ابن أبي العوجاء شيئًا، فإنَّك إن فعلتَ فعلتُ بك وفعلتُ ... يتهدّده، فقال محمَّد للرسول: هذا رأس ابن أبي العوجاء وهذا بدنُه مصلوبًا بالكُناسة، فأخبِرْ أمير المؤمنين بما أعلمتك؛ فلما بلَّغ الرسول أبا جعفر رسالتَه، تغيّظ عليه وأمر بالكتاب بعزله وقال: والله لهممتُ أن أقيده به، ثم أرسل إلى عيسى بن عليّ فأتاه، فقال: هذا عملك أنت! أشرف بتولية هذا الغلام، فوليتُه غلامًا جاهلًا لا علمَ له بما يأتي، يُقدم على رجل يقتله من غير أن يطَّلع رأيي فيه، ولا ينتظر أمري! وقد كتبت بعزله؛ وبالله لأفعلنّ به ولأفعلنّ ... يتهدّده، فسكت عنه عيسى حتَّى سكن غضبُه، ثم قال: يا أميرَ المؤمنين؛ إن محمدًا إنَّما قتل هذا الرجل على الزّندقة، فإن كان قتلُه صوابًا فهو لك، وإن كان خطأ فهو على محمَّد، والله يا أمير المؤمنين لئن عزلتَه على تبعة ما صنع ليذهبنّ بالثناء والذكر، ولترجعنّ القالة من العامّة عليك. فأمر بالكتب فمُزِّقت وأقِرّ على عمله (١).

وقال بعضهم: إنَّما عزل المنصور محمَّد بن سليمان عن الكوفة لأمور قبيحة بلغتْه عنه، اتهمه فيها، وكان الذي أنهى ذلك إليه المساور بن سوّار الجَرْميّ صاحب شُرطه، وفي مساور يقول حمَّاد:

لحَسْبُك من عجيبِ الدّهْرِ أَنِّي ... أَخاف وأَتَّقي سلطانَ جَرْمِ (٢)


(١) انظر البداية والنهاية [٨/ ٦٦].
(٢) البيت لحماد بن عجرد. ولقد ذكر ابن كثير أسباب هذا العزل مختصرًا [البداية والنهاية (٨/ ٦٦)].

<<  <  ج: ص:  >  >>