الروايات والأحاديث الصحيحة ونقد وبيان الضعفية منها، وستسلم في هذا الجانب أحاديث صحيحة على شرط المحدثين تكفي لبيان العقيدة وأحكام الشريعة، لأن المحدثين أولوا الأحاديث عناية كبيرة وأحاطوا رواتها بدراسة دقيقة واسعة، واهتموا بطرق تحملها وأدائها، فإذا طبقت قواعدهم على الأحاديث فهي أهل لذلك لما بلغته من الدقة والإتقان.
ثم يذكر الأستاذ العمري بيت القصيد هنا فيقول:
أولًا: أما اشتراط الصحة الحديثية في قبول الأخبار التاريخية التي لا تمس العقيدة والشريعة ففيه تعسف كثير، والخطر الناجم عنه كبير، لأن الروايات التأريخية التي دونها أسلافنا المؤرخون لم تعامل معاملة الأحاديث بل تم التساهل فيها، وإذا رفضنا منهجهم فإن الحلقات الفارغة في تاريخنا ستشكل هوة سحيقة بيننا وبين ماضينا مما يولد الحيرة والضياع والتمزق والانقطاع.
إن تاريخ الأمم الأخرى مبني على روايات مفردة ومصادر مفردة في كثير من حلقاته، وهم ينقدون متون الروايات فقط ويحللونها وفق معايير نقدية تمكنهم من الوصول إلى صورة ماضيهم لعدم استعمال الأسانيد في رواياتهم التاريخية لأن الأسانيد اختصت بها الأمة الإسلامية.
لكن ذلك لا يعني التخلي عن منهج المحدثين في نقد أسانيد الروايات التاريخية فهي وسيلتنا إلى الترجيح بين الروايات المتعارضة، كما أنها خير معين في قبول أو رفض بعض المتون المضطربة أو الشاذة عن الإطار العام لسير تاريخ أمتنا، ولكن الإفادة منها ينبغي أن تتم بمرونة آخذين بعين الاعتبار أن الأحاديث غير الروايات التاريخية، وأن الأولى نالت من العناية ما يمكنها من الصمود أمام قواعد النقد الصارمة.
ويرى أستاذنا العمري علاقة قوية بين التأريخ والحديث فيقول في كتابه القيّم "بحوث في السنة المشرفة":
ولكن بسبب انشغال كثير من المحدثين في التأريخ فإن قواعد النقد هذه استعملت إلى حد ما في التاريخ أيضًا وقد ساعد على ذلك أن الروايات التأريخية كانت تتصدرها الأسانيد كما هو شأن الأحاديث كما أن مقاييس المحدثين سرت