وأين هذا من الخلافة! ولعلك ألا يُتْرَك هذا في يدك حتى يخرج أجمَع، ومنعه من الإجابة.
قال الكرمانيّ: فحدّثني صالح بن سليمان، قال: بعث الهادي إلى يحيى بن خالد وهو بعيساباذ ليلًا، فراعه ذلك، فدخل عليه وهو في خَلْوة، فأمِر بطلب رجل كان أخافه، فتغيّب عنه، وكان الهادي يريد أن ينادمه ويمنعه مكانه من هارون، فنادمه وكلّمه يحيى فيه، فآمنه وأعطاه خاتم ياقوت أحمر في يده، وقال: هذا أمانة، وخرج يحيى فطلب الرّجل، وأتى الهادي به فسرّ بذلك.
قال: وحدّثني غير واحد أنّ الرجل الذي طلبه كان إبراهيم الموصليّ.
قال صالح بن سليمان: قال الهادي يومًا للربيع: لا يدخل عليّ يحيى بن خالد إلا آخر الناس. قال: فبعث إليه الرّبيع، وتفرّغ له. قال: فلما جلس من غد أذن حتى لم يبق أحد، ودخل عليه يحيى، وعنده عبد الصمد بن عليّ والعبّاس بن محمد وجِلّةُ أهله وقُوّاده، فما زال يُدنِيه حتى أجلسه بين يديه، وقال له: إني كنت أظلمك وأكفرك، فاجعلني في حلّ، فتعجب الناس من إكرامه إياه وقوله، فقبَّل يحيى يده وشكر له، فقال له الهادي: مَنْ الذي يقول فيك يا يحيى:
لو يَمَسُّ البَخِيلُ راحةَ يحيى ... لَسَخَتْ نَفْسُه بِبَذْلِ النَّوالِ
قال: تلك راحتُك يا أمير المؤمنين لا راحة عبدك!
قال: وقال يحيى للهادي في خلع الرّشيد لما كلمه فيه: يا أميرَ المؤمنين، إنك إن حملت الناس على نكْث الأيمان هانت عليهم أيمانهم، وإن تركتَهم على بيعة أخيك ثم بايعت لجعفر مِنْ بعده كان ذلك أوكدَ لبيعته، فقال: صدقت ونصحت، ولي في هذا تدبير.
قال الكِرمانيّ: وحدثني خزيمة بن عبد الله، أمر الهادي بحبس يحيى بن خالد على ما أراده عليه من خلْع الرشيد، فرفع إليه يحيى رقعة: إنّ عندي نصيحة، فدعا به، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أخْلِني، فأخلاه، فقال: يا أميرَ المؤمنين، أرأيت إن كان الأمر - أسأل الله ألّا: نبلغه، وأن يقدّمنا قبله - أتظنّ أنّ الناس يسلِمون الخلافة لجعفر، وهو لم يبلغ الحُلُم، ويرْضَوْن به لصلاتهم وحَجِّهم وغزوهم! قال: والله ما أظنّ ذلك، قال: يا أمير المؤمنين، أفتأمن أن يسمَو إليها