مصرَ على بغل، وغلامه أبو دُرّة على بغل ثقل، فقصد دار موسى بن عيسى والنّاسُ عنده، فدخل فجلس في أخْرَيات الناس، فلما تفرّق أهلُ المجلس، قال موسى بن عيسى لعمر: ألك حاجة يا شيخ؟ قال: نعم، أصلح الله الأمير! ثم قام بالكتب فدفعها إليه، فقال: يقدم أبو حفص، أبقاه الله! قال: فأنا أبو حفص، قال: أنت عمر بن مهران؟ قال: نعم، قال: لعن الله فرعون حين يقول: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ}(١)، ثم سلّم له العمل ورحَل، فتقدّم عمر بن مهران إلى أبي دُرّة غلامه، فقال له: لا تقبل من الهدايا إلّا ما يدخل في الجِراب، لا تقبل دابّة ولا جارية ولا غلامًا، فجعل الناس يبعثون بهداياهم، فجعل يردّ ما كان من الألطاف، ويقبل المال والثياب، ويأتي بها عمر، فيوقّع عليها أسماء مَنْ بعث بها، ثم وضع الجباية، وكان بمصر قومٌ قد اعتادوا المطْل وكَسْر الخراج، فبدأ برجل منهم، فلوَاه، فقال: والله لا تؤدي ما عليك من الخراج إلّا في بيت المال بمدينة السلام إن سلمت، قال: فأنا أؤدي، فتحمّل عليه، فقال: قد حلفتُ ولا أحنث، فأشخصه مع رجلين من الجند - وكان العمّال إذ ذاك يكاتبون الخليفة - فكتب معهم إلى الرشيد: إنّي دعوت بفلان بن فلان، وطالبته بما عليه من الخراج، فلواني واستنظرني، فأنظرته ثم دعوته، فدافع ومال إلى الإلطاط، فآليت ألا يؤدِّيَه إلا في بيت المال بمدينة السلام، وجملة ما عليه كذا وكذا، وقد أنفذته مع فلان بن فلان وفلان بن فلان، من جند أمير المؤمنين، من قيادة فلان بن فلان، فإن رأى أمير المؤمنين أن يكتب إليّ بوصوله فعل إن شاء الله تعالى.
قال: فلم يلوه أحدٌ بشيء من الخراج، فاستأدى الخراج، النّجم الأول والنجم الثاني، فلما كان في النّجم الثالث، وقعت المطالبة والمطْل، فأحضر أهل الخراج والتّجار فطالبهم، فدافعوه وشكوْا الضِّيقة، فأمر بإحضار تلك الهدايا التي بُعث بها إليه، ونظر في الأكياس وأحضر الجِهبْذ، فوزن ما فيها وأجزاها عن أهلها، ثم دعا بالأسفاط، فنادى على ما فيها، فباعها وأجزى أثمانها عن أهلها. ثم قال: يا قوم، حفظت عليكم هداياكم إلى وقت حاجتكم إليها، فأدُّوا إلينا ما لنا، فأدّوْا إليه حتى أغلق مال مصر، فانصرف ولا يُعلم أنه