قال: قلت: إن العدوّ إنما يأتيه في هذا من جهة أن يقول: يا أميرَ المؤمنين، إذا أنفق على دار عشرين ألف ألف درهم، فأين نفقاته! وأين صِلاته! وأين النوائب التي تنوبه! وما ظنّك يا أمير المؤمنين بما وراء ذلك! وهذه جملة سريعة إلى القلب، والموقف على الحاصل منها صعب. قال: إن سمع منِّي قلتُ: إن لأمير المؤمنين نعمًا على قوم قد كفروها بالسَّتر لها أو بإظهار القليل من كثيرها؛ وأنا رجلٌ نظرت إلى نعمته عندي، فوضعتها في رأس جبل، ثم قلت للناس: تعالوْا فانظروا.
وذكر زيد بن عليّ بن حسين بن زيد أنّ إبراهيم بن المهديّ حدثه أن جعفر بن يحيى، قال له يومًا - وكان جعفر بن يحيى صاحبَه عند الرشيد، وهو الذي قرّبه منه: إني قد استربت بأمر هذا الرجل - يعني الرشيد - وقد ظننتُ أن ذلك لسابق سبق في نفسي منه، فأردتُ أن أعتبر ذلك بغيري، فكنت أنت، فارمق ذلك في يومك هذا، وأعلمني ما ترى منه. قال: ففعلتُ ذلك في يومي، فلما نهض الرّشيد من مجلسه كنتُ أوّل أصحابه نهض عنه، حتى صرت إلى شجرٍ في طريقي، فدخلتها ومَنْ معي، وأمرتهم بإطفاء الشمع، وأقبل الندماء يمرُّون بي واحدًا واحدًا، فأراهم ولا يروْني؛ حتى إذا لم يبق منهم أحد، إذا أنا بجعفر قد طلع، فلما جاوز الشجر قال: اخرج يا حبيبي، قال: فخرجت، فقال: ما عندك؟ فقلت: حتى تعلمني كيف علمتَ أني ها هنا؛ قال: عرفت عنايتَك بما أعنى به، وأنك لم تكن لتنصرف أو تعلمني ما رأيت منه، وعلمتُ أنَّك تكره أن تُرى واقفًا في مثل هذا الوقت، وليس في طريقك موضع أستر من هذا الموضع، فقضيتُ بأنك فيه، قلت: نعم، قال: فهاتِ ما عندك، قلت: رأيت الرّجل يهزل إذا جددتَ، ويجدّ إذا هزلتَ. قال: كذا هو عندي، فانصرف يا حبيبي. قال: فانصرفت.
قال: وحدّثني عليّ بن سليمان أنه سمع جعفر بن يحيى يومًا يقول: ليس لدارنا هذه عيب؛ إلا أن صاحبها فيها قليل البقاء - يعني نفسه.
وذكر عن موسى بن يحيى، قال: خرج أبي إلى الطواف في السنة التي أصيب فيها، وأنا معه من بين ولده، فجعل يتعلّق بأستار الكعبة، ويردّد الدعاء، ويقول: اللهمّ ذنوبي جمّة عظيمة لا يحصيها غيرُك، ولا يعرفها سواك. اللهمّ إن