للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر عن سعيد بن هريم أنّ يحيى كتب إلى جعفر حين أعيتْه حيلته فيه: إني إنما أهملتك ليعثر الزّمان بك عثرة تعرف بها أمرك؛ وإن كنت لأخشى أن تكون التي لا شوَى لها. قال: وقد كان يحيى قال للرشيد: يا أمير المؤمنينَ، أنا والله أكره مداخلة جعفر معك؛ ولست آمن أن ترجع العاقبة في ذلك عليّ منك، فلو أعقبته واقتصرت به على ما يتولّاه من جسيم أعمالك، كان ذلك واقعًا بموافقتي، وآمن لك عليّ. قال الرّشيد: يا أبت ليس بك هذا؛ ولكنك إنما تريد أن تقدّم عليه الفضل.

وقد حدثني أحمد بن زبير - أحسِبه عن عمّه زاهر بن حرب - أنّ سبب هلاك جعفر والبرامكة أن الرّشيد كان لايصبر عن جعفر وعن أخته عباسة بنت المهديّ، وكان يُحضرهما إذا جلس للشرب؛ وذلك بعد أن أعلم جعفرًا قلّةَ صبره عنه وعنها، وقال لجعفر: أزوّجكُها ليحل لك النظر إليها إذا أحضرتها مجلسي، وتقدّم إليه ألا يمسَّها، ولا يكون منه شيء مما يكون للرجل إلى زوجته؛ فزوّجها منه على ذلك، فكان يُحضرهما مجلسه إذا جلس للشرب، ثم يقوم عن مجلسه ويُخليها، فيثْمُلان من الشراب، وهما شابّان، فيقوم إليها جعفر فيجامعها، فحملت منه وولدت غلامًا، فخافت على نفسها من الرّشيد إن علم بذلك، فوَجّهت بالمولود مع حَواضِنَ له من مماليكها إلى مكّة، فلم يزل الأمر مستورًا عن هارون، حتى وقع بين عباسة وبين بعض جواريها شرّ، فأنهت أمرَها وأمر الصبيّ إلى الرشيد، وأخبرته بمكانه؛ ومع مَن هو من جواريها، وما معه من الحلْي الذي كانت زيَّنته به أمه؛ فلما حجّ هارون هذه الحَجْة، أرسل إلى الموضع الذي كانت الجارية أخبرته أن الصبيّ به مَنْ يأتيه بالصبيّ وبمَنْ معه من حواضنه، فلمَّا أحضِروا سأل اللواتي معهنّ الصبيّ، فأخبرنَه بمثل القصة التي أخبرتْه بها الرافعة على عبَّاسة، فأراد - فيما زُعم - قتلَ الصبيّ، ثم تحوّب من ذلك (١).


(١) هذا خبر منكر قال ابن خلدون: وهيهات ذلك من منصب العباسة في دينها وأبويها وجلالها وأنها بنت عبد الله بن عباس ليس بينها وبينه إلا أربعة رجال هم أشراف الدين وعظماء الملة من بعده. والعباسة بنت محمد المهدي بن عبد الله أبي جعفر المنصور بن محمد السجاد بن علي أبي الخلفاء بن عبد الله ترجمان القرآن بن العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم -، ابنة خليفة وأخت =

<<  <  ج: ص:  >  >>