للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأطافوا بجعفر بن يحيى ليلًا، ودخل عليه مسرور وعنده ابن بختيشوع المتطبّب وأبو زكّار الأعمى المغنِّي الكلوذانيّ، وهو في لهوه، فأخرجه إخراجًا عنيفًا يقوده، حتى أتى به المنزل الذي فيه الرّشيد، فحبسه وقيَّده بقيد حمار، وأخبر الرشيد بأخذه إياه ومجيئه به، فأمر بضرب عنقه، ففعل ذلك.

وذكر عن عليّ بن أبي سعيد أن مسرورًا الخادم، حدثه قال: أرسلني الرشيد لآتيه بجعفر بن يحيى لَمَّا أراد قتله، فأتيته وعنده أبو زكّار الأعمى المغنّي وهو يغنيّه:

فلا تَبْعَد فكلُّ فتىً سيأْتي ... عليه الموتُ يَطرق أَو يغادِي

قال: فقلت له: يا أبا الفضل، الذي جئت له من ذلك قد والله طرقك، أجبْ أمير المؤمنين. قال: فرفع يديْه، ووقع على رجليّ يقبلهما، وقال: حتى أدخل فأوصي، قلت: أما الدّخول فلا سبيل إليه، ولكن أوْصِ بما شئت، فتقدّم في وصيَّته بما أراد، وأعتق مماليكه، ثم أتتني رسلُ أمير المؤمنين تستحثُّني به، قال: فمضيتُ به إليه فأعلمته، فقال لي وهو في فراشه: ائتني برأسه، فأتيت جعفرًا فأخبرته، فقال: يا أبا هاشم، الله الله! والله ما أمرك بما أمرك به إلا وهو سكران؛ فدافعْ بأمري حتى أصبح أؤامِره فيّ ثانية، فعدت لأؤامره، فلما سمع حسّي، قال: يا ماصّ بَظْر أمّه، ائتني برأس جعفر! فعدتُ إلى جعفر، فأخبرته، فقال: عاوده فيّ ثالثة، فأتيته، فحذفني بعمود ثم قال: نُفيت من المهديّ إن أنت جئتَني ولم تأتني برأسه، لأرسلنّ إليك مَنْ يأتيني برأسك أولًا، ثم برأسه آخرًا. قال: فخرجت فأتيته برأسه.

قال: وأمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وجميع ولده ومواليه، ومن كان منهم بسبيل، فلم يفلت منهم أحد كان حاضرًا، وحوّل الفضل بن يحيى ليلًا فحُبس في ناحية من منازل الرّشيد، وحُبس يحيى بن خالد في منزله، وأخذ ما وجد لهم من مال وضياع ومتاع وغير ذلك، ومنع أهل العسكر من أن يخرج منهم خارج إلى مدينة السلام أو إلى غيرها، ووجّه من ليلته رَجَاء الخادم إلى الرَّقة في قبض أموالهم وما كان لهم؛ وأخذ كل ما كان من رقيقهم وحشمهم، وولاه أمورهم، وفرّق الكتب من ليلته إلى جميع العمَّال في نواحي البلدان والأعمال بقبض أموالهم، وأخذ وكلائهم. فلمّا أصبح بعث بجُثَّة

<<  <  ج: ص:  >  >>