محمد، فقال له: أفهمت يا محمد؟ قال: نعم، قال: أعِدْ عليَّ المسألة كما قال المفضَّل، فأعادها، ثم التفت إليَّ فقال: يا مفضَّل، عندك مسألة تسألنا عنها بحضرة هذا الشيخ؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين؛ قال: وما هي؟ قلت: قول الفرزدق:
أَخَذْنا بآفاقِ السماء عليكُم ... لنا قَمَراها والنُّجومُ الطَّوالِعُ
قال: هيهات أفادناها متقدِّمًا قبلك هذا الشيخ؛ لنا قمراها، يعني الشمس والقمر كما قالوا سنَّة العمريْن: سنة أبي بكر وعمر، قال: قلت: فأزيد في السؤال؟ قال: زِدْ، قلت: فِلمَ استحسنوا هذا؟ قال: لأنه إذا اجتمع اسمان من جنس واحد، وكان أحدهما أخفَّ على أفواه القائلين غلَّبوه وسَمَّوا به الآخر؛ فلما كانت أيام عمر أكثر من أيام أبي بكر وفتوحُه أكثر، واسمه أخف غلبُّوه، وسموا أبا بكر باسمه، قال الله عزَّ وجلَّ:{بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ} وهو المشرق والمغرب. قلت: قد بقيت زيادة في المسألة! [فالتفت إلى الكسائي] فقال: يقال في هذا غير ما قلنا؟ قال: هذا أوفى ما قالوا، وتمام المعنى عند العرب. قال: ثم التفت إليَّ فقال: ما الذي بقي؟ قلت: بقيت الغاية التي إليها أجرى الشاعر المفتخر في شعره، قال: وما هي؟ قلت: أراد بالشمس إبراهيم، وبالقمر محمدًا - صلى الله عليه وسلم -، وبالنجوم الخلفاء الراشدين من آبائك الصالحين. قال: فاشرأبَّ أمير المؤمنين، وقال: يا فضل بن الربيع، احمل إليه مائة ألف درهم لقضاء دَيْنه، وانظر مَن بالباب من الشعراء فيؤذنَ لهم، فإذا العُمَانيُّ ومنصور النَّمَريُّ، فأذن لهما، فقال: أدنِ مني الشيخ، فدنا منه وهو يقول:
قل للإمامِ المقتدي بأمِّهِ ... ما قاسِمٌ دون مَدَى ابن أمِّهِ
* فقد رَضيناه فقم فَسَمِّهِ *
فقال الرشيد: ما ترضى أن تدعوَ إلى عقد البيعة له وأنا جالس حتى تنهضني قائمًا! قال: قيام عَزْم يا أمير المؤمنين، لا قيام حَتْم، فقال: يؤتى بالقاسم، فأتي به، وطبطب في أرجوزته، فقال الرشيد للقاسم: إنَّ هذا الشيخ قد دعا إلى عَقْد البيعة لك، فأجزِل! له العطية، فقال: حكم أمير المؤمنين، قال: وما أنا وذاك! هات النَمَريَّ، فدنا منه، وأنشده: