للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرياستين. فبلغ ذلك من أمره المأمون، فوجّه الحسن بن عليّ المأمونيّ وأردفه بالرستميّ على البريد، وعزل العباس بن عبد الله بن مالك، فذُكِر عن الرستميّ أنه لم ينزل عن دابته حتى اجتمع إليه ألف رجل من أهل الريّ.

ووجّه محمد إلى المأمون ثلاثة أنفس رسلًا: أحدهم العباس بن موسى بن عيسى، والآخر صالح صاحب المصلّى، والثالث محمد بن عيسى بن نهيك، وكتب معهم كتابًا إلى صاحب الرّيّ، أن استقبِلْهم بالعُدّة والسلاح الظاهر. وكتب إلى وال بقُومِس ونَيْسابور وسَرَخْس بمثل ذلك، ففعلوا. ثم وردت الرّسل مَرْو، وقد أعدَّ لهم من السلاح وضروب العُدد والعتاد، ثم صاروا إلى المأمون، فأبلغوه رسالة محمد بمسألته تقديمَ موسى على نفسه، ويذكر له أنه سمّاه الناطق بالحق، وكان الذي أشار عليه بذلك عليّ بن عيسى بن ماهان، وكان يخبره أن أهل خُراسان يطيعونه، فردّ المأمون ذلك وأباه (١).

قال: فقال لي ذو الرئاستين: قال العباس بن موسى بن عيسى بن موسى: وما عليك أيها الأمير من ذلك، فهذا جدّي عيسى بن موسى قد خُلِع فما ضرّه ذلك، قال: فصحْت به: اسكت، فإن جدّك كان في أيديهم أسيرًا، وهذا بين أخواله وشيعته. قال: فانصرفوا، وأنزل كل واحد منهم منزلًا. قال ذو الرياستين: فأعجبني ما رأيت من ذكاء العباس بن موسى، فخلوت به فقلت: أيذهب عليك في فهمك وسنِّك أن تأخذ بحظك من الإِمام - وسُمِّي المأمون في ذلك اليوم بالإمام ولم يسمَّ بالخلافة وكان سبب ما سمي به الإمام ما جاء من خلَعْ محمد له، وقد كان محمد قال للذين أرسلهم: قد تسمّى المأمون بالإمام، فقال لي العباس: قد سميتموه الإمام! قال: قلت له: قد يكون إمام المسجد والقبيلة،


(١) ذكر الطبري هنا أن الأمين أرسل وفدًا إلى أخيه المأمون مكون من ثلاثة أنفس كما قال الطبري وأيده أبو حنيفة الدينوري (الأخباري المتقدم الثقة) فقال: ثم كتب (أي الأمين) إليه (أي إلى المأمون) يُعلمه أن الذي قلّده الله من أمر الخلافة والسياسة قد أثقله .. الخبر وفيه: ثم وجّه الكتاب مع العباس بن موسى ومحمد بن عيسى وصالح صاحب المصلى .. إلخ. وفيه أن المأمون أكرم الوفد وأحسن صِلاتهم إلّا أنه لم يُجِبْهم إلى ما أوصاهم به الأمين - وردّ طلبه - وَلا نستطيع أن نجزم بصحة التفاصيل الواردة في هذه الرسائل المتبادلة كما ذكرها الطبري أو أبو حنيفة الدينوري إلّا أن الأمر المؤكد أن ما كان يخشاه الرشيد قد وقع وبدأ الأخوان يكيد أحدهما للآخر، وكان حول كل منهما بطانة سوء تزيّن الغدر والخيانة فحصل ما سنذكره لاحقًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>