للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم بمواضع حظّي ما أرجو أن يحسن معه النظر مني لنفسي، ويضع عني مؤنة استزادتي. إن شاء الله.

قال: وكتب الرّسول المتوجّه إلى بغداد إلى المأمون وذي الرياستين:

أما بعد، فإني وافيتُ البلدة، وقد أعلن خليطك بتنكّره، وقدّم علمًا من اعتراضه ومفارقته [وأمسك عمّا كان يجب ذكره وتوفيته] بحضرته، ودفعت كتبك فوجدت أكثر الناس ولاة السريرة ونفاة العلانية، ووجدت المشرفين بالرعية لا يحوطون إلّا عنها ولا يبالون ما احتملوا فيها، والمنازع مختلج الرّأي، لا يجد دافعًا منه عن همّه، ولا راغبًا في عامه، والمحلون بأنفسهم يحلون تمام الحدث، ليسلموا مِنْ منهزم حدثهم، والقوم على جدّ، ولا تجعلوا للتواني [في أمركم نصيبًا] إن شاء الله والسلام.

قال: ولما قدم على محمد من معسكر المأمون سعيد بن مالك بن قادم وعبد الله بن حميد بن قحطبة والعباس بن الليث مولى أمير المؤمنين ومنصور بن أبي مطر وكثير بن قادرة، ألطفهم وقرّبهم، وأمر لمن كان قبض منهم السّتَة الأشهر برزق اثني عشر شهرًا، وزادهم في الخاصة والعامة، ولمن لم يقبضها بثمانية عشر شهرًا.

قال: ولما عزم محمد على خلع المأمون دعا يحيى بن سُليم فشاوره في ذلك، فقال يحيى: يا أمير المؤمنين، كيف بذلك لك مع ما قَدْ وكّد الرشيد من بَيْعَته، وتوثّق بها من عهده، والأخذ للإيمان والشرائط في الكتاب الذي كتبه! فقال له محمد: إنّ رأيَ الرشيد كان فلتةً شبّهها عليه جعفر بن يحيى بسحره، واستماله برُقاه وعُقَده، فغرس لنا غرْسا مكروهًا لا ينفعنا ما نحن فيه معه إلا بقطعه، ولا تستقيم لنا الأمور إلا باجتثاثِه والراحة منه. فقال: أما إذا كان رأي أمير المؤمنين خلعه، فلا يُجاهره مجاهرةً فيستنكرها الناس، ويستشنعها العامة، ولكن تستدعي الجندَ بعد الجند والقائد بعد القائد، وتؤنسه بالألطاف والهدايا، وتفرّق ثقاته ومَنْ معه، وترغّبهم بالأموال، وتستميلهم بالأطماع، فإذا أوهنتَ قوّته، واستفرغتَ رجاله، أمرتَه بالقدوم عليك، فإن قدم صار إلى الذي تريد منه، وإن أبى كنت قد تناوَلته وقد كلّ حده وهيض جناحُه، وضعف ركنُه وانقطع عزّه. فقال محمد: ما قَطع أمرًا كصريمة، أنت مِهذار خطيب، ولستَ بذي رأي، فزُلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>