للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويكونا مددًا له إن احتاج إلى عونهما. فلما خرج عبد الرحمن إلى طاهر في الأمان أقام عبد الرحمن يُرِي طاهرًا وأصحابه أنه له مسالم، راضٍ بعهودهم وأيمانهم، ثم اغترّهم وهم آمنون. فركب في أصحابه، فلم يشعر طاهر وأصحابه حتى هَجَمَوا عليهم، فوضعوا فيهم السيوف، فثبت لهم رجّالة أصحاب طاهر بالسيوف والتراس والنشاب، وجَثَوْا على الرّكب، فقاتلوه كأشدّ ما يكون من القتال، ودافعهم الرّجال إلى أن أخذت الفرسان عُدّتها وأهبتها، وصدقوهم القتال، فاقتتلوا قتالًا منكرًا، حتى تقطعت السيوف، وتقصَفت الرماح. ثم إن أصحاب عبد الرحمن هَربوا، وترجّل هو في ناس من أصحابه، فقاتل حتى قتل، فجعل أصحابه يقولون له: قد أمكنك الهَرب فاهرُب، فإنّ القوم قد كلوا من القتال، وأتعبتهم الحرب، وليس بهم حَراك ولا قوّة على الطلب، فيقول: لا أرجعُ أبدًا، ولا يرى أمير المؤمنين وجهي منهزمًا. وقُتل من أصحابه مقتلة عظيمة، واستبيح عسكره، وانتهى من أفلت من أصحابه إلى عسكر عبد الله وأحمد ابني الحَرَشيّ، فدخلهم الوهن والفشَل، وامتلأت قلوبهم خوفًا ورعبًا فولّوْا منهزمين لا يلوون على شيء من غير أن يلقاهم أحد، حتى صاروا إلى بغداد، وأقبل طاهر وقد خلت له البلاد، يحوز بلدةً بلدةً، وكورةً كورةً، حتى نزل بقرية من قرى حلوان يقال لها شلاشان، فخندق بها، وحصّن عسكره، وجمع إليه أصحابَه. وقال رجل من الأبناء يرثي عبد الرحمن الأبناويّ:

أَلا إِنما تبكي العُيونُ لفارسٍ ... نَفَى العار عنه بالمناصِل والقَنَا

تجَلَّى غُبارُ الموتِ عن صحْنِ وجهه ... وقد أَحرزَ العَلْيَا من المجد واقتنَى

فتىً لا يُبالي إِن دَنَا من مرُوءةٍ ... أَصابَ مصُونَ النفس أو ضَيّعَ الغِنَى

يُقيمُ لأَطرافِ الذَّوابِل سُوقَها ... ولا يَرهَبُ الموتَ المُتاح إذ أدَنا (١)


(١) هذا الخبر من قوله ذكر قتل عبد الرحمن بن جبلة الأبناوي في ٨/ ٤١٦ وإلى نهاية الأبيات الشعرية في ٨/ ٤١٧) أورده الطبري عن عبد الرحمن بن صالح وله ما يؤيده عند الدينوري إذ قال بعد أن تحدث عن نزول الأبناوي على أمان طاهر:
وسار طاهر حتى هبط العقبة، فعسكر بناحية (أسَدَاباذ) ففكر عبد الرحمن، وقال:
كيف أعتذر إلى أمير المؤمنين؟
فَعَبَّأَ أصحابَه.
فلما طلع الفجر زحف بأصحابه إلى طاهر، وهو غارّ، فوضع فيهم السيوف، فوقفت طائفة =

<<  <  ج: ص:  >  >>