للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاشكر لذي الْعَرْشِ فضلَ نعمتِهِ ... أَوجبَ فضلَ المزيدِ شاكرها

واحذَرْ فداءً لك الرّعيةُ والـ ... ـأجنادُ مأمورها وآمرها

لا تردن غمْرةً بنفسكَ لا ... يَصْدُرُ عنها بالرأي صادرُها

عليك ضحْضاحها فلا تلجِ الغَمـ ... ـرة ملتجّةً زواخِرُها

والقصْدَ إنَّ الطريقَ ذو شعبٍ ... أَشأَمها وَعْثُها وَجَائرُها

أَصْبَحْتَ في أمةٍ أوائلها ... قد فارقت هَدْيَها أواخُرها

وأنتَ سُرْسُورُها وشائِسُها ... فَهَلْ على الحق أَنت قاسرها!

أَدِّبْ رجالًا رأَيتَ سِيرتهُم ... خالفَ حُكْمَ الكِتَابِ سائرها

وامدُدْ إلى الناس كفَّ مَرحَمَةٍ ... تُسَدُّ منهم بها مفَاقرها

أَمكنكَ الْعَدْلُ إذ هَمَمْتَ به ... ووافقَتْ مَدَّه مقادرُها

وأَبصر الناسُ قصدَ وجههمُ ... ومُلِّكَتْ أُمَّةً أخايرُها

تُشْرَعُ أعناقها إليكَ إذ الـ ... سَّاداتُ يومًا جَمَّتْ عَشائِرُها

كم عندنا من نصيحَة لك في اللـ ... ـهِ وقُرْبى عَزَّتْ زوافرها

وحرمةٍ قرَّبتْ أَواصِرُها ... منك، وأخْرى هل أنت ذاكرُها!

سعي رجالٍ في العلم مطلبُهُمْ ... رائحُها باكرٌ وباكرها

دونك غراءَ كالوَذيلَةِ لا ... تُفقَدُ في بلدةٍ سوِائرها

لا طمعًا قُلتُها ولا بَطرًّا ... لكلِّ نفس هوًى يُؤامرها

سيرَها الله بالنصيحَةِ والـ ... ـخَشيَةِ فاستدمجَت مرائرها

جاءتك تحكي لك الأمور كما ... ينشر بزَّ التِّجارِ ناشرها

حمَّلتُها صاحبًا أخا ثقةٍ ... يظلُّ عُجبًا بها يحاضرها (١).


(١) هذه الأبيات الشعرية التي تزيد على (١٣٠) بيتًا تصور الحالة المأساوية التي آلت إليها بغداد وقد استخدم الطبري الشعر كتوثيق للوقائع والحوادث ولم يكن حينها صحف أو جرائد أو مجلات وغيرها من وسائل الإعلام فكانت القصائد وسيلة سهلة إلى حدّ ما لتصوير الوقائع بصورة مشوقة ونشرها بين الناس وإن كان عدد من الأخباريين قد جمعوا كثيرًا من الأبيات الشعرية منسوبة إلى منظميها دون تثبت من ذلك وجمعها المؤرخون وأودعوها في كتبهم والتأكد من نسبتها إلى قائليها بحاجة إلى موازين علمية دقيقة.
ولقد ذكر ابن كثير طرفا من هذه الأبيات ثم علق عليها قائلًا: ولقد أكثر الشعراء من ذلك (أي من وصف أحوال بغداد في تلك المحنة) وقد أورد أبو جعفر بن جرير (أي الطبري) من ذلك =

<<  <  ج: ص:  >  >>