للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أحببت؛ فلن أخالفك؛ قال: فكتب طاهر بذلك إلى خزيمة.

وقد ذكر أن طاهرًا لما كاتب خزيمة كتب أيضًا إلى محمد بن علي بن عيسى بن ماهان بمثل ذلك. قيل: فلما كانت ليلة الأربعاء لثمان بقين من المحرم سنة ثمان وتسعين ومائة وثب خزيمة بن خازم ومحمد بن علي بن عيسى على جسر دجلة فقطعاه، وركزا أعلامهما عليه، وخلعا محمدًا، ودعوا لعبد الله المأمون؛ وسكن أهل عسكر المهدي ولزموا منازلهم وأسواقهم في يومهم ذلك؛ ولم يدخل هرثمة حتى مضى إليه نفر يسير غيرهما من القواد، فحلفوا له أنه لا يرى منهم مكروهًا، فقبل ذلك منهم، فقال حسين الخليع في قطع خزيمة الجسر:

عَلَيْنَا جَمِيعًا من خُزَيمةَ مِنَّةٌ ... بها أَخمدَ الرحمنُ ثائرةَ الحرْبِ

تولَّى أُمورَ المسلمين بنفسهِ ... فذَبَّ وحامى عنهمُ أَشرفَ الذَّبِّ

ولولا أَبو العباس ما انفكَّ دَهرُنا ... يبيتُ على عتبٍ ويَغدُو على عَتْبِ

خزيمةُ لم ينكَرْ له مثلُ هَذِه ... إذا اضطَرَبَتْ شرْقُ البلاد مع الغرْب

أَناخَ بجِسْرَىْ دجلة القَطعَ والقنا ... شوارعُ والأَرواحُ في راحةِ الغضبِ

وَأمَّ المَنَايَا بالْمَنَايا مُخيلةً ... تَفجَّعُ عن خَطْبٍ وتضحكُ عن خطْبِ

فكانت كنارٍ مَا كَرَتهَا سَحَابَةٌ ... فأَطفأَت اللَّهْبَ المُلفَّف بَاللهْبِ

وما قتلُ نفسٍ فِي نفوسٍ كثيرةٍ ... إذا صارَت الدُّنيا إِلى الأَمن والخصب

بلاءُ أَبي العباسِ غيرُ مكفَّر ... إِذا فَزعَ الْكَرْبُ المقيمُ إلى الكربِ (١)

فذكر عن يحيى بن سلمة الكاتب أن طاهرًا غدا يوم الخميس على المدينة الشرقية وأرباضها، والكرخ وأسواقها، وهدم قنطرتي الصراة العتيقة والحديثة واشتد عندهما القتال، واشتد طاهر على أصحابه، وباشر القتال بنفسه، وقاتل من كان معه بدار الرقيق فهزمهم حتى ألحقهم بالكرخ، وقاتل طاهر بباب الكرخ وقصر الوضَّاح، فهزمهم أصحاب محمد ورُدُّوا على وجوههم، ومر طاهر لا يلوي على أحد حتى دخل قسرًا بالسيف. وأمر مناديه فنادى بالأمان لمن لزم منزله، ووضع بقصر الوضَّاح وسوق الكرخ والأطراف قوادًا وجندًا في كل موضع


(١) انظر المنتظم (١٠/ ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>