للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لئن عدتم لمثلها لأعودن إلى رأي فيكم، ولأخرجن إلى مكروهكم؛ فكسرهم بذلك، وأمر لهم برزق أربعة أشهر؛ فقال في ذلك بعض الأبناء:

آلَى الأميُر - وقوُلُه وَفِعَالهُ ... حَقٌّ بجَمْع معَاشِرِ الزُّعَّارِ

إن هاج هَائجُهُمْ وشَغَّبَ شَاغِبٌ من كلِّ ناحيةٍ من الأَقطارِ

أَلَّا يناظرَ مَعْشَرًا من جمْعِهمْ ... إمهالَ ذي عَدْلٍ وذِي إنظارِ

حتى يُنيخَ عليهمُ بعَظيمَةٍ ... تدَعُ الدِّيارَ بَلاقِعَ الآثار

فذكر عن المدائن أن الجند لما شغبوا، وانحاز طاهر، ركب إليه سعيد بن مالك بن قادم ومحمد بن خالد وهبيرة بن خازم؛ في مشيخة من أهل الأرباض، فحلفوا بالمغلظة من الأيمان، أنه لم يتحرك في هذه الأيام أحدٌ من أبناء الأرباض ولا كان ذلك عن رأيهم ولا أرادوه، وضمن له صلاح نواحيهم من الأرباض، وقيام كل إنسان منهم في ناحيته بكل ما يجب عليه؛ حتى لا يأتيه من ناحيته أمر يكرهه. وأتاه عميرة - أبو شيخ بن عميرة الأسدي - وعليّ بن يزيد؛ في مشيخة من الأبناء، فلقوه بمثل ما لقيه به ابن أبي خالد وسعيد بن مالك وهبيرة، وأعلموه حسن رأي من خلفهم من الأبناء ولين طاعتهم له، وأنهم لم يدخلوا في شيء مما صنع أصحابه في البستان. فطابت نفسه إلا أنه قال لهم: إن القوم يطلبون أرزاقهم، وليس عندي مال. فضمن لهم سعيد بن مالك عشرين ألف في ينار، وحملها إليه، فطابت بها نفسه، وانصرف إلى معسكره بالبستان. وقال طاهر لسعيد: إني أقبلها منك على أن تكون عليَّ دينًا، فقال له: بل هي إنما صلة وقليل لغلامك وفيما أوجب الله من حقك فقبلها منه، وأمر للجند برزق أربعة أشهر، فرضوا وسكنوا.

قال المدائني: وكان مع محمد رجل يقال له السمرقندي، وكان يرمي عن مجانيق كانت في سفن من باطن دجلة؛ وربما كان يشتد أمر أهل الأرباض على من بإزائهم من أصحاب محمد في الخنادق، فكان يبعث إليه، فيجيء به فيرميهم - وكان راميًا لم يكن حجره يخطى - ولم يقتل الناس يومئذ بالحجارة كما قيل، فلما قتل محمد قطع الجسر، وأحرقت المجانيق التي كانت في دجلة يرمى عنها، فأشفق على نفسه، وتخوف من بعض من وتره أن يطلبه، فاستخفى، وطلبه الناس، فتكارى بغلًا، وخرج إلى ناحية خراسان هاربًا، فمضى حتى إذا كان في

<<  <  ج: ص:  >  >>