ومحدّثيه، وحُمِل إليه ما كان في الرّقّة من الجوهر والخزائن والسلاح، وأمر ببناء مجالس لمتنزهاته ومواضع خلوته ولهوه ولعبه بقصر الخُلْد والخَيْزرانية وبستان موسى وقصر عبدويه وقصر المعلّى ورقة كَلْواذى وباب الأنبار وبناورى والهوب؛ وأمر بعمل خمس حَرّاقات في دِجلة على خِلْقة الأسد والفيل والعُقاب والحيّة والفرس، وأنفق في عملها مالًا عظيمًا، فقال أبو نواس يمدحه:
سَخَّرَ اللهُ لِلأَمين مَطَايَا ... لم تُسَخَّرَ لِصَاحِبِ المِحْرابِ
فإِذا ما ركابُه سِرْن برًّا ... سارَ في الماء راكبًا ليث غَابِ
أَسدًا باسطًا ذِرَاعيْهِ يَهوى ... أَهْرَتَ الشِّدْقِ كالحَ الأَنيَابِ
لا يعانيهِ باللِّجامِ ولا السَّوطِ ... ولا غمزِ رجِله في الرّكابِ
عجِب الناسُ إِذا رأَوكَ على صُو ... رةِ ليثٍ تمرّ مرَّ السَّحَابِ
سبَّحوا إِذا رَأَوك سِرْت عليه ... كيف لو أَبصرُوك فَوْقَ العُقابِ
ذاتِ زَور ومِنْسر وجَناحين ... تَشُقّ العُبابَ بَعدَ العُبَابِ
تسبق الطيرَ في السَّماء إِذا ما اسـ ... ـتَعجَلوها بجَيئةٍ وذهابِ
بَارَك الله للأَميرِ وأَبْقَاه ... وأَبْقَى لَهُ ردَاءَ الشباب
ملِكٌ تَقصُرُ المدَائحُ عنهُ ... هاشميٌّ موفَّقٌ للصوابِ (١)
وذُكر عن الحسين بن الضحّاك، قال: ابتنى الأمير سفينةً عظيمة، أنفق عليها ثلاثة آلاف ألف درهم، واتّخذ أخرى على خلقة شيء يكون في البحر يقال له الدُّلْفِين، فقال في ذلك أبو نواس الحسن بن هانئ:
قد ركبَ الدُّلفينَ بَدرُ الدجى ... مقتحمًا في الماءِ قَدْ لَحَّجا
فأَشْرَقَتْ دِجلةُ في حُسْنِهِ ... وأَشرَقَ الشَّطَّان واستَبْهجا
(١) لو كان هذا صحيحًا لأفرج طاهر بن الحسين عن كل تلك الوحوش والسباع والطير وغير ذلك بعد مقتل الأمين أو أنها انطلقت خارج أقفاصها أثناء الهرج والمرج حين الحصار وقذف بغداد بالمنجنيق وفلتان الأمور ولتناقلته الألسن والأقلام ولكن لم يحصل ولو كان حقًّا أَحاط نفسه بالخصيان وغيرهم وترك أهل بيته وقواده، لما دَافع عنه الناس ذلك الدفاع الشديد ولفتحت بغداد بسهولة ولسلّمه حراسه وحاشيته كما فعلوا قبل ما يقرب من قرن من الزمان بالوليد الأموي الفاسق الذي تولى بعد هشام بن عبد الملك، والحمد لله الذي أظهر لنا هشاشة المتن ناهيك عن إسناده المهلهل الذي انعدم السلسلة إلا من واحد هو حميد بن سعيد ولم نجد له ذكرًا في كتب التراجم.