لقِيتها من مُفهّمٍ فهمِ ... فمددتها بأَناملٍ عشْرِ
وذكر عن الرياسيّ أن أبا حبيب الموشيّ حدّثه، قال: كنت مع مؤنس بن عمران، ونحن نريد الفضل بن الربيع ببغداد، فقال لي مؤنس: لو دخلنا على أبي نواس! فدخلنا عليه السجن، فقال لمؤنس: يا أبا عمران، أين تريد؟ قال: أردت أبا العباس الفضل بن الربيع، قال: فتبلّغه رقعة أعطيكها؟ قال: نعم، قال: فأعطاه رقعة فيها:
ما من يدٍ في الناسِ واحدَةٍ ... إِلا أَبو العباسِ مولاها
نامَ الثقاتُ على مضاجعهِمْ ... وسرى إلى نفسي فأحيَاها
قد كنتُ خفتُكَ ثم أَمّنِني ... من أَن أخافكَ خوفُكَ الله
فَعفوتَ عنِّي عفوَ مُقتدِرٍ ... وجبَت له نقَمٌ فأَلغَاها
قال: فكانت هذه الأبيات سببَ خروجه من الحبس (١).
وذُكر عن محمد بن خلاد الشروِيّ، قال: حدثني أبي قال: سمع محمد شعر أبي نواس وقوله:
ألا سَقِّنِي خَمْرًا وقل لي هل الخَمْرُ
وقوله:
اسقنيها يا ذُفافهْ ... مُزَّة الطَّعْم سُلافهْ
ذَلَّ عندِي مَنْ قلاها ... لِرَجاءِ أَو مخافَهْ
مثلَ ما ذَلَّتْ وضاعَتْ ... بعد هارونَ الخِلافهْ
قال: ثم أنشد له:
فجاءَ بها زَيتِيَّةً ذَهَبيَّةً ... فلم تستطِع دُونَ السُّجُودِ لها صبرا
قال: فحبسه محمد على هذا، وقال: إيه! أنت كافر، وأنت زنديق. فكتب فِي ذلك إلى الفضل بن الربيع:
أَنت يا بنَ الرَّبيع علَّمتَني الخير ... وعوَّدتَنيهِ والخيَرُ عادَهْ
(١) مخارق راوي الخبر ترجم له ابن عساكر (٥٧/ ١٣٢) وهو من المغنّين ومتى كان المغنى عدلًا عند أئمة الجرح والتعديل حتى يؤخذ بخبره؟ ! ! وأخباره عند الشعوبي أبي الفرج صاحب كتاب (الأغاني/ ١٨/ ٣٣٦).