يثبت فيه اسم من أتاه منهم، فبايعه على ذلك، وقتال مَنْ خالفه وخالف ما دعا إليه كائنًا من كان؛ فأتاه خلق كثير، فبايعوا.
ثمّ إنه طاف ببغداد وأسواقها وأرباضها وطرقها، ومنع كلّ من يخفر ويجبي المارّة والمختلفة، وقال: لا خفارة في الإسلام - والخفارة أنه كان يأتي الرجل بعض أصحاب البساتين فيقول: بستانك في خَفري، أدفع عنه من أراده بسوء، ولي في عُنقك كلّ شهر كذا وكذا درهمًا، فيعطيه ذلك شائيًا وآبِيًا - فقوي على ذلك إلا أن الدريوش خالفه، وقال: أنا لا أعيبُ على السلطان شيئًا ولا أغيِّره، ولا أقاتله، ولا آمره بشيء ولا أنهاه. وقال سهل بن سلامة: لكني أقاتل كلّ من خالف الكتاب والسنة كائنًا من كان؛ سلطانًا أو غيره؛ والحق قائم في الناس أجمعين، فمن يبايعني على هذا قبلتُه، ومن خالفني قاتلته، فقام في ذلك سهل يوم الخميس لأربع خلون من شهر رمضان سنة إحدى ومئتين في مسجد طاهر بن الحسين؛ الذي كان بناه في الحربيّة. وكان خالد الدريوش قام قبله بيومين أو ثلاثة، وكان منصور بن المهديّ مقيمًا بعسكره بجَبُّل، فلما كان من ظهور سهل بن سلامة وأصحابه ما كان، وبلغ ذلك منصورًا وعيسى - وإنما كان عُظم أصحابهما الشّطار، ومن لا خير فيه - كسرهما ذلك، ودخل منصور بغداد.
وقد كان عيسى يكاتب الحسن بن سهل، فلما بلغه خبر بغداد، سأل الحسن بن سهل أن يعطيَه الأمان له ولأهل بيته ولأصحابه؛ على أن يعطي الحسن أصحابه وجنده وسائر أهل بغداد رزق ستة أشهر إذا أدركتْ له الغَلّة، فأجابه الحسن، وارتحل عيسى من مُعسكره، فدخل بغداد يوم الإثنين لثلاث عشرة خلت من شوّال، وتقوّضت جميع عساكرهم، فدخلوا بغداد فأعلمهم عيسى مما دخل لهم فيه من الصّلح، فرضُوا بذلك.
ثم رجع عيسى إلى المدائن، وجاء بحيى بن عبد الله، ابن عمّ الحسن بن سهل، حتى نزل دَير العاقول، فوَلّوْه السواد، وأشركوا بينه وبين عيسى في الولاية، وجعلوا لكلّ عدّة من الطّسَاسيج وأعمال بغداد. فلمّا دخل عيسى فيما في خل فيه - وكان أهل عسكر المهديّ مخالفين له - وثب المطلب بن عبد الله بن مالك الخُزاعيّ يدعو إلى المأمون وإلى الفضل والحسن ابني سهل؛ فامتنع عليه سهل بن سلامة، وقال: ليس على هذا بايعتَني.