أهلَ الدروب الألف الدرهم والألفين درهمًا؛ على أن يتنحوْا له عن الدروب، فأجابوه إلى ذلك؛ فكان نصيبُ الرجل الدرهم والدرهمين ونحو ذلك؛ فلما كان يوم السبت لخمس بقين من شعبان تهيئوا له من كلّ وجه، وخذَله أهل الدروب حتى وصلوا إلى مسجد طاهر بن الحسين وإلى منزله؛ وهو بالقرب من المسجد؛ فلما وصلوا إليه اختفى منهم، وألقى سلاحه، واختلط بالنظارة، ودخل بين النساء فدخلوا منزله.
فلمّا لم يظفروا به جعلوا عليه العيون؛ فلمّا كان الليل أخذوه في بعض الدّروب التي قرب منزله، فأتوا به إسحاق بن موسى الهادي - وهو وليّ العهد بعد عمّه إبراهيم بن المهديّ وهو بمدينة السلام - فكلّمه وحاجّه، وجمع بينه وبين أصحابه، وقال له: حرّضت علينا الناس، وعبتَ أمرنا! فقال له: إنما كانت دعوتي عباسيّة؛ وإنما كنتُ أدعو إلى العمل بالكتاب والسنة؛ وأنا على ما كنْتُ عليه أدعوكم إليه الساعة. فلم يقبلوا ذلك منه. ثم قالوا له: اخرج إلى الناس، فقل لهم: إن ما كنت أدعوكم إليه باطلٌ. فأخرِج إلى الناس وقال: قد علمتم ما كنتُ أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة، وأنا أدعوكم إليه الساعة. فلما قال لهم هذا وجؤوا عنقه، وضربوا وجهه؛ فلما صنعوا ذلك به قال: المغرور مَنْ غررتموه يا أصحاب الحربيّة؛ فأخِذ فأدخل إلى إسحاق، فقيّده، وذلك يوم الأحد. فلما كان ليلة الإثنين خرجوا به إلى إبراهيم بالمدائن، فلما دخل عليه كلمه بما كلم به إسحاق، فردّ عليه مثل ما ردّ على إسحاق. وقد كانوا أخذوا رجلًا من أصحابه يقال له محمد الرواعيّ، فضربه إبراهيم، ونتَف لحيته، وقيّده وحبسه؛ فلما أخذ سهل بن سلامة حبسوه أيضًا، وادّعوا أنه كان دُفع إلى عيسى، وأنّ عيسى قتله؛ وإنما أشاعوا ذلك تخوّفًا من الناس أن يعلموا بمكانه فيخرجوه؛ فكان بين خروجه وبين أخذه وحبسه اثنا عشر شهرًا.