كتابُهم، وفيه شرط منهم عليه أن يعطيَ جند أهل بغداد؛ كلّ رجل منهم خمسينَ درهمًا، فأجابهم إلى ذلك، وجاء حتى نزل صَرْصر بطريق الكوفة يوم الأحد، وخرج إليه عباس وقوّاد أهل بغداد، فلقُوه غَداة الإثنين، فوعدهم ومنَّاهم، وقبلوا ذلك منه، فوعدهم أن يضع لهم العطاء يوم السبت في الياسريّة، على أن يصلّوا الجمعة فيدعوا للمأمون، ويخلعوا إبراهيم؛ فأجابوه إلى ذلك. فلما بلغ إبراهيمَ الخبرُ أخرج عيسى وإخوته من الحبس، وسأله أن يرجع إلى منزله، ويكفيه أمر هذا الجانب، فأبى ذلك عليه.
فلما كان يوم الجمعة بعث عباس إلى محمد بن أبي رجاء الفقيه، فصلّى بالناس الجمعة، ودعا للمأمون، فلما كان يوم السبت جاء حُميد إلى الياسريّة فعرض حُميد جند أهل بغداد، وأعطاهم الخمسين التي وعدهم، فسألوه أن ينقصهم عشرة عشرة، فيعطيَهم أربعين أربعين درهمًا لكل رجل منهم؛ لما كانوا تشاءموا به من عليّ بن هشام حين أعطاهم الخمسين، فغَدر بهم، وقطع العطاء عنهم، فقال لهم حميد: لا بل أزيدكم وأعطيكم ستين درهمًا لكل رجل. فلما بلغ ذلك إبراهيم دعا عيسى فسأله أن يقاتل حُميدًا، فأجابه إلى ذلك، فخلَّى سبيله، وأخذ منه كُفلاء، فكلم عيسى الجند أن يعطيَهم مثل ما أعطى حميد؛ فأبوا ذلك عليه، فلما كان يوم الإثنين عبر إليهم عيسى وإخوته وقوّاد أهل الجانب الشرقيّ، فعرضوا على أهل الجانب الغربيّ أن يزيدُوهم على ما أعطى حُميد، فشتموا عيسى وأصحابه، وقالوا: لا نريد إبراهيم. فخرج عيسى وأصحابه حتى دخلوا المدينة، وأغلقوا الأبواب، وصعدوا السور، وقاتلوا الناس ساعة. فلما كثر عليهم الناس انصرفوا راجعين؛ حتى أتوا باب خُراسان، فركبوا في السفن، ورجع عيسى كأنه يريد أن يقاتلهم، ثم احتال حتى صار في أيديهم شبه الأسير، فأخذه بعض قواده فأتى به منزله، ورجع الباقون إلى إبراهيم فأخبروه الخبر، فاغتمّ لذلك غمًّا شديدًا؛ وقد كان المطلب بن عبد الله بن مالك اختفى من إبراهيم، فلما قدم حُميد أراد العبور إليه فأخذه المعبِّر، فذهب إلى إبراهيم فحبسه عنده ثلاثة أيام أو أربعة، ثم إنه خلّى عنه ليلة الإثنين لليلة خلت من ذي الحجة.