للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذكر الخبر عن مقْدمه العراق وما كان فيه بها عند مقدمه:

ذُكر عن المأمون أنه لمّا قدِم جُرجان أقام بها شهرًا، ثم خرج منها، فصار إلى الريّ في ذي الحجة، فأقام بها أيّامًا، ثم خرج منها، فجعل يسير المنازل، ويقيمُ اليوم واليومين حتى صار إلى النهروان؛ وذلك يوأ السبت، فأقام فيه ثمانية أيام، وخرج إليه أهلُ بيته والقوّاد ووجوه الناس، فسلموا عليه؛ وقد كان كتب إلى طاهر بن الحسين من الطريق وهو بالرّقة، أن يوافيَه إلى النّهروان، فوافاه بها، فلمّا كان السبت الآخر دخل بغداد ارتفاعَ النهار، لأربع عشرة ليلة بقيت من صفر سنة أربع ومائتين، ولباسه ولباس أصحابه؛ أقبيتُهم وقلانسهم وطرّاداتهم وأعلامهم كلُّها الخضرة. فلما قدم نزل الرّصافة (١)، وقدم معه طاهر، فأمره بنزول الخيزرانيّة مع أصحابه، ثم تحوّل فنزل قصره على شطّ دِجْلة، وأمر حميد بن عبد الحميد وعليّ بن هشام وكلّ قائد كان في عسكره أن يقيم في عسكره؛ فكانوا يختلفون إلى دار المأمون في كلّ يوم؛ ولم يكن يدخل عليه أحد إلّا في الثياب الخُضْر، ولبس ذلك أهل بغداد وبنو هاشم أجمعون، فكانوا يخرقون كلّ شيء يروْنه من السواد على إنسان إلا القلنسوة؛ فإنه كان يلبسها الواحد بعد الواحد على خوف ووجَل؛ فأما قبَاء أو علم فلم يكن أحد يجترئ أن يلبس شيئًا من ذلك ولا يحمله. فمكثوا بذلك ثمانية أيام؛ فتكلم في ذلك بنو هاشم وولد العباس خاصةً، وقالوا له: يا أمير المؤمنين، تركت لباس آبائك وأهل بيتك ودولتهم، ولبست الخضرة. وكتب إليه في ذلك قوّاد أهل خراسان.

وقيل إنه أمر طاهر بن الحسين أن يسأله حوائجه، فكان أوّل حاجة سأله أن يطرح لباس الخضرة، ويرجع إلى لبس السواد وزيّ دولة الآباء؛ فلمّا رأى طاعةَ الناس له في لبس الخُضرة وكراهتَهم لها، وجاء السّبت قعد لهم وعليه ثياب خضْر، فلما اجتمعوا عنده دعا بسَواد فلبسه، ودعا بخلْعة سواد فألبسها طاهرًا،


(١) وقال ابن قتيبة الدينوري: ودخل المأمون بغداد يوم السبت لأربع ليالي خلون من صفر سنة ٢٠٤ هـ وقد ذكر خليفة أصل الخبر فقط فقال: وفيها - أي سنة ٢٠٤ هـ - نزل المأمون الرصافة وأمر بإلقاء الخضرة (تأريخ خليفة/ ٣١٣).
وقد ذكر ابن قتيبة كذلك أنه دخلها وعليه الخضرة فأحسن السيرة وتفقد أمور الناس وقعد لهم (المعارف/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>