للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشتم عيّ، والبذاء لؤم؛ إنا قد أبحنا الكلام، وأظهرنا المقالات، فمن قال بالحق حمدناه، ومن جهل ذلك وقَفناه، ومن جهل الأمرين حكَمنا فيه بما يجب؛ فاجعلا بينكما أصلا، فإنّ الكلام فروع؛ فإذا افترعتم شيئًا رجعتم إلى الأصول. قال: فإنا نقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، وذكرا الفرائض والشرائع في الإسلام، وتناظرا بعد ذلك. فأعاد محمد لعليّ بمثل المقالة الأولى، فقال له عليّ: والله لولا جلالةُ مجلسه وما وهب الله من رأفته، ولولا ما نهى عنه لأعرقتُ جبينك؛ وبحسبك من جهلك غُسْلك المنبر بالمدينة.

قال: فجلس المأمون - وكان متّكئًا - فقال: وما غُسْلك المنبر؟ ألتقصير مني في أمرك أو لتقصير المنصور كان في أمر أبيك؟ لولا أن الخليفة إذا وهب شيئًا استحيا أن يرجع فيه لكان أقرَب شيء بيني وبينك إلى الأرض رأسك، قمْ وإياك ما عدت.

قال: فخرج محمد بن أبي العباس، ومضى إلى طاهر بن الحسين - وهو زوج أخته - فقال له: كان من قصّتي كيت وكيت؛ وكان يحجب المأمون على النبيذ فتْح الخادم، وياسر يتولى الخِلَع، وحسين يسقى، وأبو مريم غلام سعيد الجوهريّ يختلف في الحوائج. فركب طاهر إلى الدار؛ فدخل فتح، فقال: طاهر بالباب؛ فقال: إنه ليس من أوقائه، ائذن له: فدخل طاهر فسلّم عليه، فردّ عليه السلام، وقال: اسقوه رِطلا، فأخذه في يده اليمنى، وقال له: اجلس، فخرج فشربه ثم عاد، وقد شرب المأمون رطلًا آخر، فقال: اسقوه ثانيًا، ففعل كفعله الأول، ثم دخل، فقال له المأمون: اجلس، فقال: يا أميرَ المؤمنين؛ ليس لصاحب الشرطة أن يجلس بين يدي سيّده، فقال له المأمون: ذلك في مجلس العامة، فأما مجلس الخاصة فطلق، قال: وبكى المأمون، وتغرغرت عيناه، فقال له طاهر: يا أميرَ المؤمنين؛ لِمَ تبكي لا أبكى الله عينيك! فوالله لقد دانتْ لك البلاد، وأذعن لك العباد، وصرتَ إلى المحبّة في كلّ أمرك. فقال: أبكي لأمر ذِكرُه ذلّ، وستره حزن، ولن يَخْلُوَ أحد من شَجَن؛ فتكلّم بحاجة إن كانت لك، قال: يا أمير المؤمنين، محمد بن أبي العباس أخطأ فأقِلْه عثرتَه، وارض عنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>