رعيّتك، والزم ما ألبسك الله من العافية بالذكر لمعادك، وما أنت صائر إليه؛ وموقوف عليه، ومسؤول عنه؛ والعمل في ذلك كله بما يعصمك الله، وينجّيك يوم القيامة من عذابه وأليم عقابه؛ فإنّ الله قد أحسن إليك وأوجبَ عليك الرّأفة بمن استرعاك أمرهم من عباده، وألزمك العدل عليهم، والقيام بحقه وحدوده فيهم، والذبّ عنهم، والدّفع عن حريمهم وبَيْضتهم، والحقن لدمائهم، والأمن لسبيلهم، وإدخال الرّاحة عليهم في معايشهم، ومؤاخذك بما فرض عليك من ذلك، وموقِفك عليه، ومُسائلك عنه، ومُثيبك عليه بما قدّمتَ وأخّرتَ؛ ففرِّغ لذلك فكرَك وعقلَك وبصرَك ورؤيتَك، ولا يذْهلك عنه ذاهل، ولا يَشْغَلك عنه شاغل؛ فإنه رأس أمرِك، ومِلاك شأنك، وأوَّل ما يوفّقك الله به لرشدك.
وليكن أوّل ما تلزِم به نفسَك، وتَنسب إليه فعالك؛ المواظبة على ما افترض الله عليك من الصلوات الخمس، والجماعة عليها بالناس قبلك في مواقيتها على سننها؛ في إسباغ الوضوء لها، وافتتاح ذكر الله فيها. وترتّل في قراءتك، وتمكّن في ركوعك وسجودك وتشهّدك، ولتصْدُق فيها لربك نيَّتُك. واحضض عليها جماعةَ مَنْ معك وتحت يدك، وادأب عليها فإنها تأمُرُ بالمَعْروفِ وَتَنْهَى عَن المُنكَرِ. ثم أتَّبعْ ذلك الأخذ بسُنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمثابرة على خلائقه، واقتفاء آثار السلف الصالح من بعده؛ وإذا ورد عليك أمر فاستعنْ عليه باستخارة الله وتقواه ولزوم ما أنزل الله في كتابه؛ من أمره ونهيه، وحلاله وحرامه، وائتمام ما جاءت به الآثار على النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ ثم قم فيه بما يحقّ لله عليك، ولا تَمِلْ عن العدل فيما أحببتَ أو كرهتَ لقريب من الناس أو بعيد. وآثر الفقه وأهله، والدِّين وحَمَلته، وكتاب الله والعاملين به؛ فإن أفضل ما تَزيَّنَ به المرء الفقهُ في دين الله، والطلب له، والحثّ عليه، والمعرفة بما يتقرب فيه منه إلى الله؛ فإنه الدّليل على الخير كله، والقائد له، والآمر به، والناهي عن المعاصي والموبقات كلها. وبها مع توفيق الله تزداد العباد معرفةً بالله عزّ وجلّ، وإجلالا له، ودركًا للدرجات العلا في المعاد؛ مع ما في ظهوره للناس من التوقير لأمرك، والهيبة لسلطانك، والأنسة بك والثقة بعدلك.
وعليك بالاقتصاد في الأمور كلها؛ فليس شيء أبينَ نفعًا، ولا أحضر أمنًا،