للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنبر، فخطب، فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدّعاء له، فقال: اللهمَّ أصلح أمة محمد بما أصلحت به أولياءك، واكفِها مؤونة مَنْ بغى فيها، وحشد عليها، بلمّ الشعث، وحقْن الدّماء، وإصلاح ذات البين. قال: فقلت في نفسي: أنا أوّل مقتول؛ لأني لا أكتم الخبر، فانصرفت واغتسلت بغسل الموتى، وائتزرت بإزار الموتى، ولبست قميصًا، وارتديت رداء، وطرحت السواد، وكتبت إلى المأمون. قال: فلمّا صلى العصر دعاني، وحدَث به حادث في جفن عينه وفي مأقه، فخرّ ميتًا. قال: فخرج طلحة بن طاهر، فقال: ردّوه ردّوه - وقد خرجت - فردّوني، فقال: هل كتبت بما كان؟ قلت: نعم، قال: فاكتب بوفاته، وأعطاني خمسمائة ألف ومائتي ثوب، فكتبت بوفاته وبقيام طلحة بالجيش.

قال: فوردت الخريطة على المأمون بخلعه غدْوة، فدعا ابنَ أبي خالد فقال له: اشخص: فأتِ به - كما زعمت، وضمنت - قال: أبيتُ ليلتي، قال: لا لعمري لا تبيت إلا على ظَهْر. فلم يزل يناشده حتى أذن له في المبيت. قال: ووافت الخريطة بموته ليلًا، فدعاه فقال: قد مات، فمن ترى؟ قال: ابنه طلحة، قال: الصواب ما قلت، فاكتب بتوليته. فكتب بذلك، وأقام طلحة واليًا على خراسان في أيام المأمون سبع سنين بعد موت طاهر، ثم توفِّيَ، وولى عبد الله خُراسان - وكان يتولى حرب بابك - فأقام بالدينور، ووجّه الجيوش، ووردت وفاة طلحة على المأمون، فبعث إلى عبد الله يحيى بن أكثم يعزّيه عن أخيه ويهنئه بولاية خراسان، وولّى عليّ بن هشام حرب بابك.

وذكر عن العباس أنه قال: شهدت مجلسًا للمأمون، وقد أتاه نعي الطاهر، فقال: لليدين وللفم! الحمد لله الذي قدّمه وأخَّرنا.

وقد ذُكر في أمر ولاية طلحة خراسان بعد أبيه طاهر غير هذا القول؛ والذي قيل من ذلك، أنّ طاهرًا لما مات - وكان موته في جمادى الأولى - وثب الجند، فانتهبوا بعض خزائنه، فقام بأمرهم سلّام الأبرش الخصيّ، فأمر فأعطوا رزق ستة أشهر. فصيّر المأمون عمله إلى طلحة خليفة لعبد الله بن طاهر؛ وذلك أنّ المأمون ولّى عبد الله في قول هؤلاء بعد موت طاهر عمل طاهر كله - وكان مقيمًا بالرَّقة على حرب نصر بن شبَث - وجمع له مع ذلك الشأم، وبعث إليه بعده على خُراسان وعمل أبيه؛ فوجّه عبد الله أخاه طلحة بخراسان، واستخلف بمدينة

<<  <  ج: ص:  >  >>