للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن هلك منهم بسقوط بعضهم على بعض في الخندق كان أكثرَ ممّن قتله الجند بالسيف، وانهزم ابن السريّ، فدخل الفسطاط، وأغلق على نفسه وأصحابه ومَنْ فيها الباب، وحاصره عبد الله بن طاهر؛ فلم يعاوده ابن السريّ الحربَ بعد ذلك حتى خرج إليه في الأمان.

وذكر عن ابن ذي القلمين، قال: بعث ابن السريّ إلى عبد الله بن طاهر لمّا ورد مصْر ومانعه من دخولها بألف وَصِيف ووصيفة؛ مع كلّ وصيف ألف دينار في كيس حرير، وبعث بهم ليلًا. قال: فردّ ذلك عليه عبد الله وكتب إليه: لو قبلت هديّتك نهارًا لقبلتُها ليلًا {بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (٣٦) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ} قال: فحينئذ طلب الأمان منه وخرج إليه.

وذكَر أحمد بن حفص بن عمر، عن أبي السمراء، قال: خرجنا مع الأمير عبد الله بن طار متوجّهين إلى مصر؛ حتى إذا كنّا بين الرَّمْلة ودمشق؛ إذا نحن بأعرابيّ قد اعترض؛ فإذا شيخ فيه بقيّة على بعير له أوْرَق، فسلّم علينا فرددنا عليه السلام. قال أبو السمراء: وأنا وإسحاق بن إبراهيم الرافقيّ وإسحاق بن أبي رِبعيّ، ونحن نساير الأميرَ، وكنّا يومئذ أفرَه من الأمير دوابّ، وأجود منه كُسًا. قال: فجعل الأعرابيّ ينظر في وجوهنها، قال: فقلتُ: يا شيخ؛ قد ألحَحْتَ في النظر، أعرفت شيئًا أم أنكرته؟ قال، لا والله ما عرفتُكم قبل يومي هذا، ولا أنكرتُكم لسوء أراه فيكم؛ ولكني رجلٌ حسن الفراسة في الناس، جيّد المعرفة بهم، قال: فأشرت له إلى إسحاق بن أبى رِبْعيّ، فقلت: ما تقول في هذا؟ فقال:

أَرَى كاتِبًا دَاهِي الكتابَةِ بيّنٌ ... عليه وتأْدِيبُ العرَاقِ مُنيرُ

له حرَكاتٌ قد يشاهِدْنَ أنَّه ... عليم بتقسِيطِ الخَراج بصِيرُ

ونظر إلى إسحاق بن إبراهيم الرافقيّ، فقال:

ومُظهِر نُسْكٍ ما عليه ضميرُهُ ... يُحِبُّ اللهدايا، بالرِّجال مَكورُ

إخال بهِ جُنْبًا وبُخلًا وشيمَةً ... تُخبّرُ عنهُ أمة لَوزيرُ

ثم نظر إليّ وأنشأ يقول:

وهذا نديمٌ للأَمير ومؤنِسٌ ... يكونُ لهُ بالقرْبِ منهُ سرورُ

إخاله للأشعارِ والعِلم رَاويًا ... فبعْضُ ندِيم مرَّةً وسميرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>