عبد الله بن طاهر مصر - وقيل إن ذلك في سنة عشر ومائتين - وذكر بعضهم أن ابن السريّ خرج إلى عبد الله بن طاهر يوم السبت لخمسٍ بقين من صفر سنة إحدى عشرة ومائتين، وأدخل بغداد لسبع بقين من رجب سنة إحدى عشرة ومائتين، وأنزل مدينة أبي جعفر، وأقام عبد الله بن طاهر بمصر واليًا عليها وعلى سائر الشأم والجزيرة؛ فذُكر عن طاهر بن خالد بن نزار الغسائي، قال: كتب المأمون إلى عبد الله بن طاهر وهو بمصر حين فتحها في أسفل كتاب له:
أَخي أَنت ومولايَ ... ومَنْ أَشكُرُ نُعمَاهُ
فما أَحبَبْتَ من أَمرٍ ... فإِنِّي الدَّهْرَ أَهْواهُ
وما تكرَهُ مِنْ شَيْءٍ ... فإِنّي لسْتُ أرضَاهُ
لك الله على ذاكَ ... لَك اللهُ لَك اللهُ
وذُكر عن عطاء صاحب مظالم عبد الله بن طاهر، قال: قال رجل من إخوة المأمون للمأمون: يا أميرَ المؤمنين، إن عبد الله بن طاهر يميل إلى ولد أبي طالب، وكذا كان أبوه قبله. قال: فدفع المأمون ذلك وأنكره، ثم عاد بمثل هذا القول، فدسّ إليه رجلًا ثم قال له: امض في هيئة القرّاء والنسّاك إلى مصر، فادع جماعةً من كبرائها إلى القاسم بن إبراهيم بن طباطبا، واذكر مناقبه وعلمه وفضائله، ثم صِرْ بعد ذلك إلى بعض بطانة عبد الله بن طاهر، ثم ائته فادْعُه ورغّبه في استجابته له، والمجا عن دفين نيّته بحثًا شافيًا، وائتني بما تسمع منه. قال: ففعل الرجل ما قال له، وأمره به؛ حتى إذا دعا جماعة من الرؤساء والأعلام، قعد يومًا بباب عبد الله بن طاهر، وقد ركب إلى عبيد الله بن السريّ بعد صلحه وأمانه، فلما انصرف قام إليه الرجل، فأخرج من كمِّه رقعةً فدفعها إليه، فأخذها بيده؛ فما هو إلا أن دخل فخرج الحاجب إليه، فأدخله عليه وهو قاعد على بساطه؛ ما بينه وبين الأرض غيره، وقد مدّ رجليه، وخُفَّاه فيهما، فقال له: قد فهمت ما في رقعتك من جملة كلامك، فهاتِ ما عندك، قال: ولي أمانُك وذمّة الله معك؟ قال: لك ذلك، قال: فأظهَر له ما أراد، ودعاه إلى القاسم، أخبره بفضائله وعلمه وزهده، فقال له عبد الله: أتُنصِفني؟ قال: نعم، قال: هل يجب شكر الله على العباد؟ قال: نعم. قال: فهل يجب شكر بعضهم لبعض عند الإحسان والمنّة والتفضّل؟ قال: نعم، قال: فتجيء إليّ وأنا في هذه