خُراسان أيام المخلوع، إلى معاونته والقيام بحقه، وكان فيمن أجاب وأسرع الإجابة، وعاون فأحسن المعاونة. فرعى أمير المؤمنين ذلك واصطنعه، وهو يظنّ به تقوى الله وطاعتَه والانتهاء إلى أمر أمير المؤمنين في عمل إن أسند إليه في حسن السيرة وعفاف الطُّعمة، وبدأه أمير المؤمنين بالإفضال عليه، فولّاه الأعمال السنيّة، ووصله بالصلات الجزيلة التي أمر أمير المؤمنين بالنظر في قدرها، فوجدها أكثر من خمسين ألف ألف درهم، فمدّ يده إلى الخيانة والتضييع لما استرعاه من الأمانة، فباعده عنه وأقصاه، ثم استقالَ أميرَ المؤمنين عثرَته فأقاله إيّاها، وولّاه الجبل وأذرَبيجان وكُور أرمينيَة، ومحاربة أعداء الله الخرّميّة، على ألا يعود لما كان منه؛ فعاود أكثر ما كان بتقديمه الدينار والدّرهم على العمل لله ودينه، وأساء السيرة وعسْف الرعيّة وسفك الدماء المحرّمة، فوجّه أمير المؤمنين عُجيف بن عَنْبسة مباشرًا لأمره، وداعيًا إلى تلافي ما كان منه، فوثب بعُجَيف يري قتله فقوّى الله عُجيفًا بنيّته الصادقة في طاعة أمير المؤمنين، حتى دفعه عن نفسه، ولو تم ما أراد بعُجَيف لكان في ذلك ما لا يستدرك ولا يستقال؛ ولكنّ الله إذا أراد أمرًا كان مفعولا. فلما أمضى أميرُ المؤمنين حكم الله في عليّ بن هشام، رأى ألا يؤاخذ مَنْ خلفه بذنبه، فأمر أن يجري لولده وعياله ولمن اتصل بهم ومَنْ كان يجري عليهم مثل الذي كان جاريًا لهم في حياته؛ ولولا أن عليّ بن هشام أراد العُظمى بعُجيف، لكان في عداد مَنْ كان في عسكره ممن خالف وخان، كعيسى بن منصور ونظرائه. والسلام.
وفي هذه السنة دخل المأمونُ أرضَ الرّوم، فأناخ على لؤلؤه مائة يوم، ثم رحل عنها وخلّف عليها عُجَيفًا، فاختدعه أهلُها وأسروه؛ فمكث أسيرًا في أيديهم ثمانية أيام، تم أخرجوه، وصار تَوْفيل إلى لؤلؤة، فأحاط بعُجَيف، فصرف المأمون الجنود إليه، فارتحل تَوْفيل قبل موافاتهم، وخرج أهل لؤلؤة إلى عُجيف بأمان (١).
(١) هذا الخبر من قوله (وفي هذه السنة دخل المأمون أرض الروم. . . إلى قوله وخرج أهل لؤلؤة إلى عجيف بأمان) له ما يؤيده عند البسوي إذ قال: وخرج منها - أي من مصر - متوجهًا إلى طرسوس وغزا أرض الروم وأقام على لؤلؤة ولم يفتحها ثم فتحها عجيف بعده (المعرفة/ ١/ ٦٧). =