فقال: يا علّويه، لمن هذا الشعر؟ فقال: للقاضي، قال: أيّ قاض ويحك! قال: قاضي دمشق، فقال: يا أبا إسحاق، اعزله، قال: قد عزلته، قال: فيُحضر الساعة. قال: فأحضر شيخ مخضوب قصير؛ فقال له المأمون: من تكون؟ قال: فلان بن فلان الفلانيّ، قال: تقول الشعر؟ قال: قد كنت أقوله، فقال: يا علّويه، أنشده الشعر، فأنشده؛ فقال: هذا الشعرُ لك: قال: نعم يا أمير المؤمنين، ونساؤه طوالِق وكلّ ما يملك في سبيل الله إن كان قال الشعر منذ ثلاثون سنة إلا في زُهد أو معاتبة صديق، فقال: يا أبا إسحاق اعزله؛ فما كنت أولِّي رقابَ المسلمين مَن يبدأ في هزله بالبراءة من الإسلام. ثم قال: اسقوه؛ فأتيَ بقدح فيه شراب، فأخذه وهو يرتعد، فقال: يا أمير المؤمنين ما ذقته قطّ، قال: فلعلك تريد غيره! قال: لم أذق منه شيئًا قطّ، قال: فحرام هو؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: أوْلى لك! بها نجوت، اخرج. ثم قال: يا علّويه، لا تقل:"برئت من الإسلام"، ولكن قل:
حُرمْتُ منايَ منكِ إِن كان ذَا الَّذي ... أَتاك به الواشون عَنِّي كما قالوا
قال: وكنّا مع المأمون بدمشق، فركب يريد جبل الثلج، فمرّ ببركة عظيمة من برَك بني أميّة، وعلى جوانبها أربع سَرَوات، وكان الماء يدخلها سيْحَا، ويخرج منها؛ فاستحسن المأمون الموضِع، فدعا ببزْما وَرد ورطْل، وذكَر بني أميّة، فوضع منهم وتنقّصهم؛ فأقبل علّويه على العُود، واندفع يغنّي: