للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسين بن الضحاك، قال: قال لي علّوية: أخبرُك أنه مرّ بي مرة ما أيستُ من نفسي معه لولا كرم المأمون؛ فإنه دعا بنا؛ فلمّا أخذ فيه النبيذ؛ قال: غنّوني، فسبقني مخارق، فاندفع فغنّى صوتًا لابن سُرَيج في شعر جرير:

لمَّا تَذَكَّرت بالدَّيريْنِ أَرَّقنَي ... صوتُ الدَّجاج وضرْبٌ بالنَّواقِيسِ

فقلتُ لِلَّركبِ إذ جَدَّ المَسيرُ بنا ... يا بُعْدَ يَبْرينَ من باب الفراديس!

قال: فحُيِّنَ لي أن تغنّيتُ، وكان قد همّ بالخروج إلى دمشق يريد الثغر:

الحَينُ ساقَ إلى دمشق ومَا ... كانتْ دمشق لأَهلها بلدا

فضرب بالقدح الأرض، وقال: ما لك! عليك لعنة الله. ثم قال: يا غلام، أعطِ مخارقًا ثلاثة آلاف درهم؛ وأخذ بيدي فأقمتُ وعيناه تدمعان، وهو يقول للمعتصم: هو والله آخر خُروج، ولا أحسبني أن أرى العراق أبدًا، فكان والله آخرَ عهدِه بالعراق عند خروجه كما قال (١).


(١) هذا خبر باطل - وفي إسناده الشاعر حسين بن الضحاك وهو معروف بالخلع شاعر ماجن وسمّي الخليع لكثرة مجونه وخلاعته [وفيات الأعيان/ ٢/ ١٦٢] وشيخه الذي يروى عنه هو علوية المغني ويكفيه لقبًا جرحًا - وما كان المأمون ليدعيّ العلم بأحداث المستقبل حتى يقسم أن خروجه ذلك آخر خروج وهو العالم الأديب راوي الحديث وقد روى عنه العلماء أحاديث ولو قال أخشى أن يكون خروجًا هذا آخر خروج لانطلت كذبة الحسين بن ضحاك على الناس ولكن عوار المتن يتفق مع خلاعة ومجون صاحب المسند (الحسين بن ضحاك ومن روى عنه).
- وأخيرًا المأمون ما له وما عليه -
قبل أن نذكر خلاصة في تقييم المأمون نودّ أن نردّ عنه شبهة أو تهمة الشرب ومعلوم لدى علماء الفقه واللغة أن العرب كانوا يشربون الخمر ونوعًا آخر من الشراب هو النبيذ وهو التمر أو الزبيب يترك في الماء مستنقعًا ثم تؤخذ عصارته أو تغلى وقد ورد في الأحاديث الصحيحة النهي عن الانتباذ في أنواعٍ معينة من الأواني أما الخمر فقد حرمه الله ورسوله - والروايات التي تتهم المأمون بشرب الخمر جاءت من طريق رواة لا يحتج بحديثهم ولعل المأمون كان يشرب النبيذ على رأي علماء بغداد (أي الذي لا يسكر) أما الخمر فلم يصح عنه ولذلك ذكر الذهبي الحافظ الناقد خبر شربه للخمر بصيغة التمريض فقال في ترجمته: كان يشرب نبيذ الكوفة وقيل بل يشرب الخمر فالله أعلم. [سير أعلام النبلاء ١٠/ ٢٧٣/ تر ٧٢]. ولقد ارتكب المأمون خطيئتين كبيرتين وأمره إلى الله في كل ذلك.
الأولى خوضه في أمور العقيدة وفرضه لعقيدة المعتزلة في قولهم بخلق القرآن ثم أخذه لعلماء السنة في ذلك وامتحانهم - قال الحافظ البيهقي رحمه الله تعالى: لم يكن في الخلفاء قبله (أي =

<<  <  ج: ص:  >  >>