رحل الأفشين عند إمكان الزَّمان، فصار إلى موضع يقال له كلان روذ، فاحتفر فيهِ خندقًا، وكتب إلى أبي سعيد، فرحل من بَرْزَند إلى إزائه على طرف رِستاق كلان روذ، وتفسيره: نهر كبير؛ بينهما قدر ثلاثة أميال، فأقامَ معسكرًا في خندق، فأقامَ بكلان روذ خمسة أيام، فأتاهُ من أخبره أن قائدًا من قواد بابك يدعى آذين، قد عسكرَ بإزاء الأفشين، وأنهُ قد صير عيالهُ في جبل يشرف على رُوذ الروذ، وقال لا أتحصنُ من اليهود - يعني المسلمين - ولا أدخل عيالي حصنًا؛ وذلكَ أنَّ بابك قال له: أدخِل عيالكَ الحصن، قال: أنا أتحصَّن من اليهود! والله لا أدخلتهم حصنًا أبدًا، فنقلهم إلى هذا الجبل، فوجَّهَ الأفشين ظفر بن العلاء السعدي والحسين بن خالد المدائني من قواد أبي سعيد في جماعة من الفرسان والكوهبانية، فساروا ليلتهم من كلان روذ؛ حتى انحدروا في مضيق لا يمرُّ فيهِ راكب واحد إلَّا بجَهد، فأكثرُ الناس قادوا دوابَّهم، وانسلوا رجلًا خلفَ رجلٍ، فأمرهم أن يصيروا قبل طلوع الفجر على روذ الروذ، فيعبر الكوهبانية رجَّالة؛ لأنه لا يمكن الفارس أن يتحرَّكَ هُناك، ويتسلقوا الجبل، فصاروا على روذ الروذ قبل السَّحر، ثمَّ أمر من أطاق من الفرسان أن يرتجل وينزع ثيابه، فترجل عامة الفرسان، وعبروا وعبر معهم الكوهبانية جميعًا، وصعدوا الجبل؛ فأخذوا عيال آذين، وبعض ولده، وعبروابهم، وبلغ آذين الخبر بأخذ عياله؛ وكان الأفشين عند توجه هؤلاء الرجالة ودخولهم المضيق يخاف أن يؤخذ عليهم المضيق، فأمر الكُوهبانية أن يكون معهم أعلام، وأن يكونوا على رؤوس الجبال الشواهق في المواضع التي يشُرفون منها على ظَفَر بن العلاء وأصحابه، فإن رأوا أحدًا يخافونهُ حرَّكوا الإعلام، فبات الكوهبانية على رؤوس الجبال، فلما رجعَ ابنُ العلاء والحسين بن خالد بمن أخذوا من عيال آذين، وصاروا في بعض الطريق قبل أن يصيروا إلى المضيق، انحدر عليهم رجالة آذين فحاربوهم قبل أن يدخلوا المضيق، فوقع بينهم قتلى، واستنقذوا بعض النساء. ونظر إليهم الكوهبانية الذين رتَّبهم الأفشين، وكان آذين قد وجَّه عسكرين؛ عسكرًا يقاتلهم، وعسكرًا يأخذ عليهم المضيق؛ فلما حرَّكوا الأعلامَ وجه الأفشين مظفر بن كيدر في كردوس من أصحابه، فأسرع الركض. ووجَّهَ أبا سعيد خلف المظفر، وأتبعهما ببخارا خُذاه، فوافوا؛ فلما نظر إليهمْ رجَّالةُ آذين الذين كانوا على المضيق انحدروا عن المضيق، وانضموا إلى أصحابهم،