دينار - وطباخه - يعني إيتاخ - ولم يبقَ على بابهِ أحد؛ فإن أردتَ الخروجَ إليهِ فاعلم أنهُ ليس في وجهكَ أحدٌ يمنعُكَ؛ طمعًا منهُ بكتابهِ ذلكَ إليه في أن ملك الروم إن تحرك انكشف عنه بعض ما هو فيه بصرف المعتصم بعض مَنْ بإزائهِ من جيوشه إلى ملك الروم، واشتغاله به عنه.
فذكر أن توفيل خرج في مائة ألف - وقيل أكثر - فيهم من الجند نيِّف وسبعون ألفًا، وبقيَّتهم أتباع حتى صار إلى زِبَطرة، ومعه من المحمرة الذين كانوا خرجوا بالجبال فلحقوا بالروم حين قاتلهم إسحاق بن إبراهيم بن مُصعب جماعة رئيسهم بارسيس، وكان ملك الروم قد فرَض لهم، وزوجهم وصيرهم مقاتلة يستعينُ بهم في أهم أمورهِ إليه؛ فلما دخلَ ملكُ الرومِ زِبَطرة وقتل الرجال الذين فيها، وسبى الذراري والنساء التي فيها وأحرقها، بلغ النفير - فيما ذكر - إلى سامراء، وخرج أهل ثغور الشأم والجزيرة وأهل الجزيرة إلا من لم يكن عندهُ دابةٌ ولا سلاح واستعظم المعتصم ذلك.
فذكر أنه لما انتهى إليهِ الخبرُ بذلكَ صاحَ في قصره النفير، ثم ركب دابتهُ وسمَّطَ خلفهُ شكالا وسكة حديد وحقيبة، فلم يستقم له أن يخرج إلا بعد التعبية، فجلس - فيما ذكر - في دار العامة، وقد أحضر من أهل مدينة السلام قاضيها عبد الرحمن بن إسحاق وشعيب بن سهل، ومعهما ثلثمائة وثمانية وعشرون رجلًا من أهل العدالة، فأشهدهم على ما وقف من الضياع، فجعل ثلثًا لولدهِ، وثلثًا لله وثلثًا لمواليه. ثم عسكر بغربي دجلة؛ وذلكَ يوم الإثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى.
ووجه عُجيف بن عنبسة وعمرًا الفرغاني ومحمد كُوتة وجماعة من القُواد إلى زِبطرة إعانة لأهلها، فوجد ملك الروم قد انصرف إلى بلادهِ بعدما فعل ما قد ذكرناه، فوقفوا قليلًا؛ حتى تراجعَ الناسُ إلى قراهم، واطمأنُّوا، فلما ظفر المعتصم ببابك، قال: أيِّ بلاد الروم أمنعُ وأحصن؟ فقيل: عمُّورية، لم يعرض لها أحدٌ من المسلمين منذ كان الإسلام، وهي عين النصرانية وبُنكها، وهي أشرف عندهم من القسطنطينية.