اليوم الثالث جاءت البُشرى من ناحية الأفشين يخبرون بالسلامة، وأنه وارد على أمير المؤمنين بأنقرة.
قال: ثم ورد على المعتصم الأفشين بعد ذلكَ اليوم بيوم بأنقرة، فأقاموا بها أيامًا، ثم صيَّرَ العسكرَ ثلاثة عساكر: عسكر فيه أشناس في الميسرة، والمعتصم في القلب، والأفشين في الميمنة؛ وبين كل عسكر وعسكر فرسخان، وأمر كل عسكر منهم أن يكونوا له ميمنة وميسرة، وأن يحرقوا القرى ويخربوها، ويأخذوا من لحقوا فيها من السَّبي، وإذا كان وقت النزول توافَى كلُّ أهل عسكر إلى صاحبهم ورئيسهم، يفعلون ذلكَ فيما بينَ أنقرةَ إلى عَموريَّة؛ وبينهما سبع مراحل؛ حتى توافت العساكر بعمُّورية.
قال: فلما توافت العساكر بعمُّورية، كان أوَّل مَنْ وردها أشناس وردَها يوم الخميس ضَحوة، فدار حولها دَورة، ثم نزل على ميلين منها بموضع فيهِ ماء وحشيش؛ فلما طلعت الشمسُ من الغد، ركبَ المعتصم، فدار حولها دورة، ثم جاء الأفشين في اليوم الثالث، فقسمها أميرُ المؤمنين بين القوَّاد كما تدور؛ صيَّرَ إلى كل واحدٍ منهم أبراجًا منها على قدر كثرة أصحابه وقلَّتهم، وصار لكلِّ قائد منهم ما بين البرجين إلى عشرين برجًا وتحصَّنَ أهلُ عمُّورية وتحرَّزوا.
وكان رجلٌ من المسلمين قد أسرهُ أهل عمُّورية، فتنصر وتزوجَ فيهم فحبس نفسه عند دخولهم الحصن، فلمَّا رأى أميرَ المؤمنين ظهر وصار إلى المسلمين، وجاء إلى المعتصم، وأعلمه أن موضعًا من المدينة حمل الوادي عليه من مطر جاءهم شديد، فحمل الماء عليه، فوقع السور من ذلكَ الموضع، فكتب ملك الروم إلى عامل عَمورية أن يبني ذلكَ الموضع، فتوانى في بنائهِ حتى كان خروج الملك من القسطنطينية إلى بعض المواضعِ، فتخوفَ الوالي أن يمرَّ الملك على تلك الناحية فيمرَّ بالسور فلا يراه يُبنى، فوَجَّه خلف الصنَّاع فبنى وجه السور بالحجارةِ حجرًا حجرًا، وسيرَ وراءه من جانب المدينةِ حشوًا، ثم عقد فوقه الشُّرَف كما كانَ، فوقَّفَ ذلكَ الرجلُ المعتصِمَ على هذه الناحية التي وصف، فأمر المعتصم فضرب مضربه في ذلكَ الموضع، ونصب المجانيق على ذلكَ البناء، فانفرج السور من ذلك الموضع، فلما رأى أهل عموريَّة انفراج السور، علَّقوا عليه الخشب الكبار، كل واحد بلزق الأخرى؛ فكانَ حجر المجنيق إذا