للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيدي ومضى يمشي؛ وأنا معه حتى صار إلى مجلسه فقال: يا إسحاق؛ جئني بمصلّى ومخدّتين، فجئته بذلك، فوضع المخدّتين، ونام على وجهه، ثم قال: هات مصلّى ومخدتين، فجئت بهما، فقال: ألقه ونم عليه بحذائي، فحلفت ألّا أفعلَ، فجلست عليه، ثم حضر إيتاخ التركيّ وأشناس، فقال لهما: امضيا إلى حيث إذا صحت سمعتما، ثم قال: يا إسحاق، في قلبي أمر أنا مفكّر فيه منذ مدّة طويلة؛ وإنما بسطتك في هذا الوقت لأفشيَه إليك، فقلت: قل يا سيدي يا أمير المؤمنين؛ فإنما أنا عبدك وابن عبدك، قال: نظرت إلى أخي المأمون وقد اصطنع أربعةً أنجبوا، واصطنعت أنا أربعة لم يفلحْ أحدٌ منهم، قلت: ومَن الذين اصطنعهم أخوك؟ قال: طاهر بن الحسين؛ فقد رأيتُ وسمعتُ، وعبد الله بن طاهر، فهو الرّجل الذي لم يُرَ مثله، وأنت، فأنت والله لا يعتاض السلطان منك أبدًا، وأخوك محمد بن إبراهيم، وأين مثل محمد! وأنا فاصطنعت الأفشين فقد رأيتَ إلى ما صار أمْرُه، وأشناس ففشل آيه وإيتاخ فلا شيء، ووصيف فلا مغنى فيه: فقلت: يا أمير المؤمنين، جعلني الله فداك! أجيب على أمانٍ من غضبكِ، قال: قل، قلت: يا أمير المؤمنين أعزّك الله نظر أخوك إلى الأصول؛ فاستعملها، فأنجبت فروعها، واستعمل أمير المؤمنين فروعًا لم تنجب إذ لا أصول لها، قال: يا إسحاق لمقاساةُ ما مرّ بي في طول هذه المدّة أسهلُ عليّ من هذا الجواب.

وذكر عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ، أنه قال: أتيتُ أمير المؤمنين المعتصم بالله يومًا وعنده قينة كان معجَبًا بها، وهي تغنِّيه، فلما سلّمتُ وأخذت مجلسي، قال لها: خذي فيما كنت فيه، فغنّت فقال لي: كيف تراها يا إسحاق؟ قلت: يا أمير المؤمنين، أراها تقهره بحذْق وتختله برفق، ولا تخرج من شيء إلّا إلى أحسن منه، وفي صوتها قطع شذور أحسن من نظم الدرّ على النحور، فقال: يا إسحاق، لَصفتُك لها أحسن منها ومن غنائها، وقال لابنه هارون: اسمع هذا الكلام (١) ..

وذكر عن إسحاق بن إبراهيم الموصليّ أنه قال: قلت للمعتصم في شيء،


(١) إسحاق الموصلي شاعر أديب بليغ غلب عليه الغناء ومتى كان المغنون عدولًا تؤخذ أخبارهم مأخذ الجد بل محل أخبارهم المناسب كتاب الأغاني لصاحبه الشعوبي المعروف.

<<  <  ج: ص:  >  >>