أَميرُ المؤمنينَ سَمَا إلينا ... سُمُوَّ الليث ثار من الغَريفِ
فإِنْ يَمْنُنْ فَعَفْوَ اللهِ نرجو ... وإن تقتلْ فقاتِلنا شَريفُ
وكان سبب غَيبْة بُغا عنهم أنه توجه إلى فَدَك لمحاربة مَنْ فيها ممّن كان تغلّب عليها من بني فزارة ومُرّة؛ فلما شارفهم وجّه إليهم رجلًا من فَزارة يعرض عليهم الأمان، ويأتيه بأخبارهم، فلمّا قدم عليهم الفزاريّ حذّرَهم سطوته، وزيّن لهم الهرب، فهربوا ودخلوا في البرّ، ودخلوا فَدَك إلّا نفرًا بقُوا فيها منهم؛ وكان قصدهم خَيْبَر وجَنَفاء ونواحيها؛ فظفر ببعضهم، واستأمن بعضهم، وهرب الباقون مع رأس لهم يقال له الرّكاض إلى موضع من البلْقاء من عمل دمشق، وأقام بُغا بجنَفاء وهي قرية من حدّ عمل الشأم، مما يلي الحجاز نحوًا من أربعين ليلة، ثم انصرف إلى المدينة بمن صار في يديه من بني مُرّة وفزارة.
* * *
وفي هذه السنة صار إلى بُغا من بطون غَطَفان وفزارة وأشْجع جماعة؛ وكان وجّه إليهم وإلى بني ثعلبة؛ فلما صاروا إليه - فيما ذكر - أمر محمد بن يوسف الجعفريّ، فاستحلفهم الأيمان المؤكدة ألّا يتخلّفوا عنه متى دعاهم. فحلفوا، ثم شخص إلى ضَرِيّة لطلب بني كلاب، ووجّه إليهم رسلَه، فاجتمع إليه منهم - فيما قيل - نحو من ثلاثة آلاف رجل، فاحتبس منهم من أهل الفساد نحوًا من ألف رجل وثلاثمائة رجل، وخلَّى سائرهم، ثم قدم بهم المدينة في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين ومائتين، فحبسهم في دار يزيد بن معاوية، ثم شخص إلى مكة بُغا، وأقام بها حتى شهِد الموسم، فبقى بنو كلاب في الحبس لا يجرى عليهم شيءٌ مدّة غيبة بُغا؛ حتى رجع إلى المدينة، فلما صار إلى المدينة أرسل إلى مَنْ كان استحلف من ثعلبة وأشجع وفَزارة فلم يجيبوه، وتفرّفوا في البلاد، فوجّه في طلبهم فلم يلحق منهم كثير أحد.