فذكر أحمد بن محمد أنّ بُغا لمّا أراد الشخوص من المدينة إليهم حمل معه محمد بن يوسف الجعفريّ دليلًا له على الطريق، فمضى نحو اليمامة يُريدهم، فلقى منهم جماعة بموضع يقال له الشُّريف؛ فحاربوه، فقتل بُغا منهم نيِّفا وخمسين رجلًا، وأسر نحوًا من أربعين، ثم سار إلى حُظَيَّان، ثم سار إلى قرية لبني تميم من عمل اليمامة تدعى مرأة، فنزل بها، ثم تابع إليهم رسله، يَعرض عليهم الأمان، ودعاهم إلى السمع والطاعة؛ وهم في ذلك يمتنعون عليه، ويشتمون رسله، ويتفلّتون إلى حربه؛ حتى كان آخر من وجّه إليهم رجلين؛ أحدهما من بني عديّ من تميم والآخر من بني نُمير، فقتلوا التميميّ وأثبتوا النميريّ جراحًا؛ فسار بُغا إليهم من مرأة. وكان مسيره إليهم في أول صفر من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، فورد بطن نخل، وسار حتى دخل نُخَيلة، وأرسل إليهم أن ائتوني، فاحتملت بنو ضَبّة من نُمَير، فركبت جبالها مياسر جبال السَّوْد - وهو جبل خلف اليمامة أكثر أهله باهلة - فأرسل إليهم فأبوا أن يأتوه، فأرسل إليهم سرّية فلم تدركهم، فوجَّه سرايا، فأصابت فيهم وأسرت منهم. ثم إنه أتبعهم بجماعة مَنْ معه وهم نحو من ألف رجل سوى مَنْ تخلَّف في العسكر من الضعفاء والأتباع، فلقيهم وقد جمعوا له، وحشدوا لحربه؛ وهم يومئذ نحو من ثلاثة آلاف، بموضع يقال له روضة الأبان وبطن السرّ من القرْنين على مرحلتين، ومن أضاخ على مرحلة؛ فهزموا مقدّمته، وكشفوا ميسرته، وقتلوا من أصحابه نحوًا من مائة وعشرين أو مائة وثلاثين رجلًا، وعقروا من إبل عسكره نحوًا من سبعمائة بعير ومائة دابة، وانتهبوا الأثقال وبعض ما كان مع بُغا من الأموال.
قال لي أحمد: لقيهم بُغا وهجم عليهم، وغلبَه الليل، فجعل بُغا يناشدهم، ويدعوهم إلى الرجوع وإلى طاعة أمير المؤمنين، ويكلمهم بذلك محمد بن يوسف الجعفريّ، فجعلوا يقولون له: يا محمد بن يوسف، قد والله ولدناك فما رعيتَ حُرْمة الرَّحم، ثم جئتَنا بهؤلاء العبيد والعلوج تقاتلنا بهم! والله لنرينّك العُبْر، ونحو ذلك من القول.
فلما دنا الصبح قال محمد بن يُوسف لبُغا: أوقع بهم من قبل أن يضيء الصبح، فيروْا قِلّة عددنا، فيجترئوا علينا، فأبى بُغا عليه؛ فلمَّا أضاء الصبح ونظروا إلى عدد مَنْ مع بُغا - وكانوا قد جعلوا رجَّالتهم أمامهم وفرسانهم وراءهم