ترَكتَ الأَعقفين وبَطْنَ قَوٍّ ... ومَلأَّتَ السجونَ من القماشِ
فحدثني أحمد بن محمد أن الذين دخلوا إلى بُغا بالأمان من بني نُمير لمَّا قيدهم وحبسهم وأشخصهم معه شَغَبُوا في الطريق، وحاولوا كسر قيُودهم والهرب، فأمر بماحضارهم واحدًا بعد واحد؛ فكان إذا حضر الواحد يضربه ما بين الأربعمائة إلى الخمسمائة وأقل من ذلك وأكثر؛ فزعم أحمد أنه حضر ضربهم ولم ينطق منهم ناطق يتوجَّع من الضرب، وأنه أحضر منهم شيخ قد عَلّق في عنقه مصحفًا، ومحمد بن يوسف جالس إلى جنب بُغا، فضحك منه محمد بن يوسف وقال لبُغا: هذا أخبث ما كان - أصلحك الله - حين علَّق المصحف في عنقه! فضربه أربعمائة أو خمسمائة، فما توجَّع وما استغاث.
وذُكر أن فارسًا من بني نُمير لقي بُغا في وقعتهم التي ذكرت أمرها يُدعى المجنون، فطعن بُغا ورمى المجنونَ رجلٌ من الأتراك. فأفلت، وعاش أيامًا ثلاثة، ثم مات من رميته.
قال: ثم قدم عليه واجن الأشروسني الصُّغديّ في سبعمائة رجل مددًا له من الأشُروسنيّة الإشتيخنيّة، فوجَّهه بُغا ومحمد بن يوسف الجعفرىّ في أثرهم؛ فلم يزل يتبعهم حتى وغلوا في البلاد، وصاروا بتبَالة وما يليها منّ حدّ عمل اليمن وفاتوه؛ فانصرف ولم يصر في يديه منهم إلّا ستّة نفر أو سبعة، وأقام بحصن باهلة، ووجّه إلى جبال بني نُمير وسهلها من هلان والسَّوْد وغيرها من عمل اليمامة ساريا في محاربة من امتنع ممن قبل الأمان منهم، فقتلوا جماعة وأسروا جماعة، وأقبل عدّة من ساداتهم، كلُّهم يطلب الأمان لنفسه والبطن الذي هو منه، فقبل ذلك منهم وبسطهم وآنسهم؛ ولم يزل مقيمًا إلى أن جمع إليه كلَّ مَنْ ظنّ أنه كان في هذه النواحي منهم، وأخذ منهم زُهاء ثمانمائة رجل، فأثقلهم بالحديد وحملهم إلى البصرة، في ذي القعدة من سنة اثنتين وثلاثين ومائتين، وكتب إلى صالح العباسيّ بالمسير بمَنْ قبله في المدينة من بني كِلاب وفَزارة ومُرّة وثعلبة وغيرهم واللحاق به؛ فوافاه صالح العباسيّ ببغداد، وصاروا جميعًا في المحرّم إلى سامراء سنة ثلاث وثلاثين ومائتين، وكانت عدّة مَنْ قدم به بُغا وصالح العباسيّ من الأعراب سوى مَنْ مات منهم وهرب. وقتل في هذه الوقائع