أَرسلتُ نفسِي على محبتيها ... وقلتُ ما شئتُ غيرَ محتشِمِ
فغنّته الواثق؛ فاستحسنه؛ فبعث إلى ابن الزيات: ويحك من صالح بن عبد الوهاب هذا! فابعث إليه فأشخصْه؛ وليحمل جاريتَه؛ فغدا بها صالح إلى الواثق، فأدخِلَتْ عليه، فلما تغنَّت ارتضاها، فبعث إليه، فقال: قلْ، فقال: مائة ألف دينار يا أمير المؤمنين وولاية مصر، فردّها، ثم قال أحمد بن عبد الوهاب أخو صالح في الواثق:
أَبَتْ دارُ الأَحِبَّةِ أن تُبِينا ... أَجدَّكَ ما رأَيتَ لها مُعينَا
تُقَطَّعُ حَسْرَةً من حُبِّ لَيْلى ... نفوسٌ ما أُثبْن ولا جُزِينا
فصنعت فيه قلم جارية صالح، فغنّاه زرزر الكبير للواثق، فقال: لمن ذا؟ فقال: لقلم، فبعث إلى ابن الزيات، فأشخص صالحًا ومعه قلم؛ فلمّا دخلت عليه، قال: هذا لك؟ قالت: نعم يا أمير المؤمنين، قال: بارك الله عليك؟ وبعث إلى صالح: استمْ وقلْ قولا يتهيأ أن تعطاه؛ فبعث إليه: قد أَهديتُها إلى أمير المؤمنين، فبارك الله لأمير المؤمنين فيها. قال: قد قبلتها، يا محمد، عَوِّضْه خمسة آلاف دينار، وسمّاها "اغتباط" فمطَله ابن الزّيات، فأعادت الصوت وهو:
أبت دار الأحبةِ أن تُبينَا ... أجدَّك هل رأيت لها معينا
فقال لها: بارك الله عليك وعلى من ربّاك؛ فقالت: يا سيدي وما ينتفع مَنْ رباني، وقد أمرت له بشيء لم يصل إليه! فقال الواثق: يا سقانة، الدواة؛ فكتب إلى ابن الزيّات: ادفع إلى صالح بن عبد الوهاب ما عوّضناه من ثمن اغتباط خمسة آلاف دينار، وأضعفها. قال صالح: فصرت إلى ابن الزيّات فقرّبني، وقال: هذه الخمسة الأولى؛ خذها، والخمسة آلاف الأخرى أدفعها إليك بعد جمعة؛ فإن سئلت، فقل: إني قبضت المال. قال: فكرهت أن أسأَلَ فأقرَّ بالقبض؛ فاختفيت في منزلي حتى دفع إليّ المال، فقال لي سمانة: قبضت